سمير الزيني ..
المشجع المحلاوي الذي حظي بمقابلة السلطان قابوس

سمير الزيني يتوسط لاعبي فريق غزل المحلة
عندما يتجاوز العشق الكروي حدود المألوف
في عالم كرة القدم المصرية، حيث الشغف يلامس حدود الهوس، وحيث تتشابك حكايات المستطيل الأخضر بحياة الملايين، تبرز شخصيات فريدة تتجاوز دور المشجع العادي لتصبح أيقونات ورموزاً لأنديتها ومجتمعاتها. هؤلاء ليسوا مجرد أرقام في مدرجات تهتف، بل هم جزء لا يتجزأ من تاريخ النادي، يحملون في قلوبهم حباً نقياً، وفي ذاكرتهم قصصاً لا تُنسى عن الانتصارات والانكسارات. ومن بين هذه الشخصيات التي حفرت اسمها بحروف من ذهب في ذاكرة الكرة المصرية، يبرز اسم “سمير الزيني”، الرجل الذي لم يكن مجرد كبير مشجعي نادي غزل المحلة، بل كان نبضاً حياً في جسد المدينة الصناعية العريقة، وتميمة حظ ارتبطت بأزهى عصور “فلاحي” الكرة المصرية فريق غزل المحلة.
لكن قصة سمير الزيني تتجاوز حدود المحلية المصرية لتصل إلى آفاق غير متوقعة. صورة نادرة تجمع هذا المشجع البسيط، بجلابيبه المميزة وقامته القصيرة، مع جلالة السلطان قابوس بن سعيد، سلطان عُمان الراحل، تثير الفضول وتطرح الأسئلة: ما الذي جمع بين أيقونة التشجيع المحلاوي وسلطان الحكمة والرؤية؟ كيف استطاع هذا الرجل القادم من قرية بسيطة في قلب الدلتا المصرية أن يحظى بشرف لقاء السلطان، وأن ينسج علاقات صداقة مع شيوخ وأعيان سلطنة عُمان؟ هذه ليست مجرد قصة عن كرة القدم، بل هي حكاية عن الود الصادق الذي لا يعرف حدوداً، وعن الكاريزما الإنسانية التي تتخطى الفوارق، وعن كيف يمكن لشخصية بسيطة ومحبة أن تترك أثراً عميقاً وتصنع جسوراً من المودة بين الشعوب. في السطور التالية، نغوص في تفاصيل حياة سمير الزيني، الرمز المحلاوي الذي عبرت شهرته ومحبته الحدود، ليصبح سفيراً فوق العادة لمدينته وناديه في قلب سلطنة عُمان.
سمير الزيني: ابن بشبيش ورمز المحلة الكبرى
في الثامن عشر من أغسطس عام 1951، وقبل عام واحد تقريباً من بزوغ فجر ثورة يوليو المجيدة التي غيرت وجه مصر، شهدت قرية بشبيش الهادئة، التابعة لمركز المحلة الكبرى بمحافظة الغربية، مولد طفل قُدّر له أن يصبح واحداً من أشهر الوجوه في عالم الرياضة المصرية، إنه سمير الزيني. نشأ الزيني في بيئة ريفية بسيطة، وتلقى تعليمه الأساسي في مدرسة مؤسسة ناصر الابتدائية، ليكمل بعدها رحلته التعليمية بالحصول على الشهادة الثانوية. طموحه لم يتوقف عند هذا الحد، فالتحق بالمعهد الفني التجاري بمدينة طنطا المجاورة، وعقب تخرجه مباشرة، وجد طريقه إلى الوظيفة الحكومية، حيث تم تعيينه في مجلس مدينة المحلة الكبرى.
لم يكن سمير الزيني مجرد موظف يؤدي عمله الروتيني، بل كان شخصية اجتماعية نشطة، يتمتع بحضور لافت وقدرة على التواصل مع مختلف الأطياف. عمله لاحقاً مديراً للعلاقات الخارجية بمجلس المدينة منحه فرصة لتوسيع دائرة معارفه وتوطيد علاقاته داخل وخارج المحلة. لكن شهرته الحقيقية لم تأتِ من وظيفته الرسمية، بل من عشقه الجارف لكرة القدم، وانتمائه الذي لا حدود له لمدينته وناديها العريق، غزل المحلة.
على مدار سنوات طويلة، أصبح سمير الزيني أكثر من مجرد مشجع؛ لقد تحول إلى أيقونة حقيقية، ورمز لا تخطئه عين في مدرجات ستاد المحلة. قامته القصيرة، وجهه البشوش الذي لا تفارقه الابتسامة، طيبته اللامحدودة التي يشهد بها كل من عرفه، وجلبابه البلدي الشهير، الذي كان يصر على أن يكون مصنوعاً من إنتاج مصانع الغزل والنسيج في مدينته وبأيدي عمالها المهرة، كلها عناصر شكلت صورة فريدة لرجل أصبح جزءاً من هوية النادي. كان الزيني بمثابة تميمة الحظ ومصدر التفاؤل للاعبين والجماهير، حضوره في الملعب أو في التدريبات كان يبعث على الارتياح، وصوته وتشجيعه كانا جزءاً لا يتجزأ من أجواء المباريات. لقد كان تجسيداً حياً لروح المحلة الكبرى، المدينة الصناعية الصامدة، وعشقها الذي لا ينتهي لكرة القدم.
عشق المستديرة: من الأهلي إلى قلب غزل المحلة
بدأت علاقة سمير الزيني بكرة القدم في سن مبكرة، مثل كثيرين من أبناء جيله. في أواخر عقد الستينيات، كان قلبه يميل إلى النادي الأهلي القاهري، متأثراً بنجومه الكبار الذين كانوا يملؤون السمع والبصر في تلك الفترة، أمثال المايسترو رفعت الفناجيلي، والكابتن صالح سليم، وفؤاد أبو غيدة، وميمي الشربيني، والمنظر طه إسماعيل، والحارس الأمين عادل هيكل. كان يتابع أخبارهم ومبارياتهم بشغف، حالماً ربما بأن يصبح لاعباً يوماً ما.
لكن رياح العشق الكروي سرعان ما غيرت اتجاهها لترسو في ميناء مدينته. كان التحول تدريجياً، لكنه كان حاسماً. فمع بزوغ نجم فريق غزل المحلة وصعوده القوي في سماء الكرة المصرية، بدأ قلب الزيني يخفق لنادي مدينته. كان الأمر مختلفاً، لم يعد مجرد إعجاب عن بعد بنجوم العاصمة، بل أصبح انتماءً عميقاً، شعوراً بالفخر والارتباط بفريق يمثل مدينته وأهلها.
جاءت نقطة التحول الحقيقية على يد الصحفي الشهير بجريدة الأهرام، الأستاذ عبد المنعم أبو شامية، أحد أبناء قرية بشبيش. اكتشف أبو شامية شغف الزيني العميق بكرة القدم، ولاحظ تعلقه المتزايد بنادي غزل المحلة ونجوم عصره الذهبي. في أوائل السبعينيات، دعا أبو شامية الزيني لحضور دورة للكرة الشراب (كرة القدم الخماسية الشعبية) في قريتهما بشبيش. بعد أن لمس عن قرب هذا العشق الكروي، قرر أبو شامية أن يقدم هذا الشاب المتحمس إلى عالم النادي بشكل رسمي. اصطحبه إلى مدينة المحلة الكبرى، وقدمه إلى الأستاذ محمد حبيب، رئيس نادي غزل المحلة والمشرف العام على النشاط الرياضي آنذاك، والذي كان شخصية إدارية فذة تركت بصمة واضحة في تاريخ النادي.
وجد الزيني في محمد حبيب الأب الروحي والمرشد. تعلم على يديه، كما كان يقول دائماً، الالتزام والانضباط والحيادية. ومنذ تلك اللحظة، أصبح الزيني وجهاً مألوفاً ومحبوباً داخل أسوار النادي. منحه محمد حبيب ثقة خاصة، فكان الشخص الوحيد من خارج الجهاز الفني والإداري الذي يُسمح له بالنزول إلى أرض الملعب أثناء التدريبات وحتى خلال بعض المباريات. أصبح الزيني ظلاً للفريق، يرافقه في جميع مبارياته داخل المحلة وخارجها، يتنقل معه في حافلة الفريق، يشاركه أفراحه وأحزانه، ويقدم دعمه المعنوي للاعبين والمدربين. لم يكن مجرد مشجع، بل أصبح صديقاً مقرباً لأجيال متعاقبة من اللاعبين والمدربين، وبنى علاقات وطيدة مع معظم رجال الصحافة والإعلام والقيادات الرياضية والمسؤولين في مصر، مكتسباً شهرة واسعة تجاوزت حدود مدينته.
الأيقونة و”الفاسوخة”: الزيني وعصر المحلة الذهبي
ارتبط اسم سمير الزيني بشكل وثيق بالعصر الذهبي لنادي غزل المحلة، خاصة بفريق الأحلام الذي حقق إنجازاً تاريخياً بالفوز ببطولة الدوري المصري الممتاز لموسم 1972/1973، في إنجاز فريد كسر هيمنة أندية القاهرة التقليدية. هذا الجيل ضم كوكبة من ألمع النجوم في تاريخ النادي، أمثال الهداف التاريخي محمد السياجي، وإبراهيم حسين، والبشلاوي، وعماشة، وعمر عبد الله، والسعيد عبد الجواد، ومحسن النحريري، وعبد الرحيم خليل، وحنفي هليل.
كان الزيني أكثر من مجرد مشجع لهذا الجيل، لقد كان جزءاً من نسيجه. صورته وهو يتواجد في الملعب بابتسامته المعهودة وجلبابه المميز، وقصر قامته الذي أصبح علامة مسجلة، وخفة ظله، وأخلاقه العالية التي يشهد بها الجميع، كل هذا ارتبط في أذهان الجماهير واللاعبين بانتصارات الفريق. أصبح يُنظر إليه على أنه “أيقونة” النادي، بل وأطلق عليه البعض لقب “الفاسوخة” (وهو مصطلح شعبي يعني تميمة جلب الحظ وطرد النحس). كان وجوده يبعث على التفاؤل، وارتبط بعلاقات صداقة قوية جداً مع نجوم هذا الجيل الذهبي، علاقات استمرت لعقود طويلة بعد اعتزالهم. لقد كان شاهداً حياً وشريكاً معنوياً في صناعة أمجاد غزل المحلة.
الرحلة إلى عُمان: صداقة عبر الحدود ولقاء تاريخي
كان الكابتن شوقي غريب، نجم نادي غزل المحلة ومنتخب مصر لاحقاً والمدرب المعروف، واحداً من أقرب أصدقاء سمير الزيني. بدأت صداقتهما في المحلة وتوطدت مع مرور الأيام. حتى بعد احتراف شوقي غريب في نادي مرباط العماني، ظلت جسور التواصل ممتدة بينهما. وفي إحدى المناسبات، لعب نادي مرباط العماني مباراة ودية مع نادي غزل المحلة على ستاد المحلة. كعادته، كان سمير الزيني حاضراً في المقصورة الرئيسية للملعب، يتابع المباراة بحماس.
شاءت الأقدار أن يجلس بجواره في تلك المباراة الشيخ “عوض العمري”، ابن أخت جلالة السلطان قابوس ورئيس نادي مرباط آنذاك. لفت سمير الزيني انتباه الشيخ العمري بحماسه وتفاعله وشخصيته الفريدة. دار حديث بينهما، وسرعان ما نشأت علاقة ودية. توطدت هذه العلاقة مع الوقت، وظل التواصل مستمراً بين الرجلين. أعجب الشيخ العمري بشخصية الزيني وبساطته وعشقه لكرة القدم، فقام بدعوته لزيارة سلطنة عُمان.
لم يتردد الزيني في تلبية الدعوة. سافر إلى السلطنة، وهناك استقبله الشيخ العمري بحفاوة بالغة. حضر الزيني العديد من مباريات الدوري العماني، وخاصة مباريات نادي مرباط الذي كان يرأسه صديقه الشيخ. كما حضر دورة لكرة القدم أقيمت في مدينة “صلالة” الساحرة بجنوب عُمان. خلال زياراته المتكررة، توطدت علاقة الزيني باللاعبين العمانيين، ليس فقط لاعبي مرباط، بل ولاعبي أندية أخرى مثل نادي ظفار العريق. أصبح وجهاً مألوفاً في الأوساط الكروية العمانية، وأحب العمانيون طيبته وبساطته وروح الدعابة التي يتمتع بها. وصل الأمر إلى أن بعض اللاعبين العمانيين كانوا يأتون خصيصاً إلى مصر لزيارة الزيني في منزله المتواضع بقرية بشبيش، في دليل على عمق المودة والاحترام المتبادل.
وفي إحدى زياراته لسلطنة عُمان، وبينما كان سمير الزيني يتجول في حي الشاطئ الراقي بالعاصمة مسقط، برفقة الكابتن باسم عبد الحق، لاعب نادي ظفار، حدث ما لم يكن في الحسبان. توقفت سيارة فارهة بجوارهما، انبعثت منها رائحة عطر فواح ومميز. فُتح زجاج السيارة، وإذا بصوت هادئ ووقور ينادي الزيني بلقب أصبح شائعاً له حتى في عُمان: “إزيك يا عمدة؟” (كيف حالك يا عمدة؟).
تفاجأ الزيني، ورد بعفويته المعهودة: “في خير وفضل”. هنا كانت المفاجأة الكبرى التي لم تخطر له على بال. أدرك الزيني أن من يتحدث معه ليس إلا جلالة السلطان قابوس بن سعيد، سلطان عُمان. عرف السلطان أن الزيني مصري الجنسية، ويبدو أنه كان لديه علم مسبق بقصته وعلاقته بالأوساط الرياضية في السلطنة. دار بينهما حديث ودي امتد لأكثر من خمس دقائق، حديث اتسم بالبساطة والأريحية من جانب السلطان، وبالاحترام والتقدير من جانب الزيني. اختتم الزيني اللقاء بدعاء صادق نابع من القلب للسلطان: “ربنا يخليك لعُمان ويخلي عُمان لك”. فرد عليه السلطان قابوس بلطفه المعهود: “ما تبغى شيء يا عمدة؟” (ألا تحتاج شيئاً يا عمدة؟). فأجاب الزيني بقناعة ورضا: “سلامتك يا معالي السلطان”.

سمير الزيني والسلطان قابوس بن سعيد
انتشر خبر هذه المقابلة الفريدة كالنار في الهشيم في الأوساط العمانية. تناقلت الصحف العمانية القصة، ونشرت الصورة الشهيرة التي يظهر فيها سمير الزيني وهو يصافح جلالة السلطان قابوس، والتي أصبحت لاحقاً متداولة بكثرة على مواقع التواصل الاجتماعي. هذا اللقاء العفوي فتح الباب أمام الزيني لتوطيد علاقته بكبار المسؤولين والعائلات الكبرى في سلطنة عُمان.
لم يتوقف تقدير السلطان قابوس لهذا المشجع المصري البسيط عند هذا الحد. ففي لفتة كريمة أخرى، قرر جلالته دعوة سمير الزيني، كبير مشجعي غزل المحلة وتعويذتها وتميمة حظها، لحضور احتفالات العيد الوطني لسلطنة عُمان. لم تكن مجرد دعوة عادية، بل تم تخصيص مقعد للزيني في الصفوف الأولى، ليجلس جنباً إلى جنب مع كبار الشخصيات من الوزراء والأمراء وكبار رجال الدولة وشيوخ القبائل العمانية. وفي هذه المناسبة الوطنية الهامة، قام السلطان قابوس بتكريم سمير الزيني، وأهداه عصا مصنوعة من الفضة الخالصة، تعبيراً عن تقديره لشخصه وللعلاقة الطيبة التي نشأت بينهما. كانت لحظة فارقة في حياة الزيني، وتتويجاً لرحلة صداقة بدأت في مدرجات ستاد المحلة وعبرت البحار لتصل إلى قلب قصر الحكم في مسقط.
علاقات وطيدة في مصر: لقاءات مع الشعراوي ومبارك
لم تقتصر علاقات سمير الزيني المميزة على سلطنة عُمان، بل امتدت لتشمل شخصيات بارزة في مصر أيضاً، في مجالات الدين والسياسة.
كان الزيني، بسبب قصر قامته، يخشى من فكرة الزواج وإنجاب أطفال قد يرثون نفس السمة. ظل هذا الهاجس يؤرقه حتى وصل إلى سن الأربعين. في إحدى زيارات فضيلة الإمام الراحل الشيخ محمد متولي الشعراوي لمحافظة الغربية، سنحت الفرصة للزيني للقاء به. تحدث الزيني مع الشيخ بصراحة، معبراً عن مخاوفه: “يا مولانا، أنا مادياً ومعنوياً كويس، وعاوز أتجوز، لكن خايف إن ولادي يبقوا أقزام بالوراثة”. فرد عليه الشيخ الشعراوي بحكمته المعهودة وإيمانه العميق: “توكل على الله يا ابني، هي مش ميكانيكا!”. هذه الكلمات البسيطة والمشجعة من إمام الدعاة كان لها أثر كبير في نفس الزيني، فأزالت مخاوفه، ولم يتردد بعدها، وتزوج وأنجب ثلاث بنات هن: سوزان وهبة وهناء.
وفي موقف آخر يعكس جرأة الزيني وقوة شخصيته، وبعد مرور حوالي 15 يوماً على زواجه، كان الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك في زيارة لمدينة المحلة الكبرى. ارتدى الزيني أبهى ملابسه في ذلك اليوم، وتوجه إلى نادي الموظفين بالمدينة منذ السادسة صباحاً، منتظراً وصول الموكب الرئاسي. شاهد كبار رجال الدولة يتوافدون، فلم يتردد، وتوجه مباشرة إلى الدكتور زكريا عزمي، رئيس ديوان رئيس الجمهورية آنذاك، وطلب منه ترتيب لقاء مع الرئيس. تحدث الدكتور عزمي مع قائد الحرس الجمهوري، وفي مفاجأة أخرى، تم السماح للزيني بركوب إحدى سيارات الموكب الرئاسي. وعندما التقى بالرئيس مبارك، قام الدكتور عزمي بتقديمه قائلاً: “ده سمير الزيني يا ريس”. فرد عليه الرئيس مبارك بابتسامة قائلاً: “أنا عارفه وبشوفه في التلفزيون كتير”. تم تكريم الزيني مرتين من قبل الرئيس مبارك في مناسبات لاحقة، تقديراً لدوره كرمز رياضي وشعبي في مدينة المحلة.
الرحيل الأخير: نهاية قصة مشجع أسطوري
أمضى سمير الزيني سنواته الأخيرة مديراً للعلاقات العامة بمركز ومدينة المحلة الكبرى، قبل أن يخرج إلى المعاش قبل سبع سنوات من وفاته. لم تخلُ حياته من الطموح السياسي أيضاً، حيث خاض انتخابات مجلس النواب أكثر من مرة، مدفوعاً بشعبيته الجارفة في دائرته، لكن لم يحالفه الحظ في الفوز بمقعد برلماني.
في يونيو من عام 2017، تلقت جماهير كرة القدم في مصر، وخاصة في المحلة الكبرى، ببالغ الحزن والأسى، خبر وفاة سمير الزيني. رحل أحد أكبر وأشهر مشجعي الكرة المصرية والمحلاوية، وكبير مشجعي نادي غزل المحلة عبر تاريخه الطويل. برحيله، أُسدل الستار على قصة حياة حافلة وملهمة، قصة رجل بسيط استطاع بحبه الصادق لكرة القدم، وبشخصيته الفريدة، أن يكسب قلوب الملايين، وأن يتجاوز حدود المألوف، تاركاً وراءه إرثاً من المحبة والذكريات الطيبة.
الزيني وإرث المحبة يتجاوز الملاعب والحدود
تُعد قصة سمير الزيني أكثر من مجرد سيرة ذاتية لمشجع كرة قدم؛ إنها شهادة حية على قوة الشغف الصادق وقدرة الروح الإنسانية الطيبة على كسر الحواجز وتجاوز الفوارق. من قرية بشبيش المتواضعة إلى مدرجات غزل المحلة الصاخبة، ومنها إلى اللقاءات الودية مع شيوخ عُمان والمصافحة التاريخية مع جلالة السلطان قابوس، وصولاً إلى لقاءاته مع رموز الدين والسياسة في مصر، نسج الزيني خيوطاً من المحبة والاحترام بعفويته وبساطته وابتسامته التي لم تفارقه.
الحاج سمير الزيني الاب الروحي لكل جماهير غزل المحلة .. صفحة المحلة نيوز
لم يكن الزيني مجرد “أيقونة” أو “تميمة حظ” لناديه، بل كان سفيراً لمدينته وللروح المصرية الأصيلة. قصته مع سلطنة عُمان، ولقاؤه بالسلطان قابوس، تظل علامة مضيئة تؤكد أن الروابط الإنسانية الصادقة يمكن أن تنشأ في أكثر الظروف غير المتوقعة، وأن التقدير والاحترام لا يعرفان منصباً أو مكانة اجتماعية. لقد أثبت الزيني أن القلب المفعم بالحب والولاء يمكن أن يفتح الأبواب المغلقة ويبني جسوراً من المودة تدوم طويلاً.
رحل سمير الزيني، لكن ذكراه باقية في قلوب محبيه في المحلة ومصر وعُمان. سيبقى اسمه محفوراً في تاريخ كرة القدم المصرية كواحد من أشهر وأخلص المشجعين، وستبقى قصته تروى كنموذج للعشق الكروي النقي، وللإنسان البسيط الذي استطاع بشخصيته الفريدة أن يترك بصمة لا تُمحى، وأن يؤكد أن قيمة المرء الحقيقية تكمن في محبته للآخرين ومحبة الآخرين له. إن إرث سمير الزيني ليس فقط في مدرجات الملاعب، بل في القلوب التي لامسها بطيبته وصدقه، وفي الذاكرة الجماعية التي تحتفظ بقصته كمثال نادر على أن الإنسانية والمحبة هما اللغة العالمية التي يفهمها الجميع.
طالع أيضا علي كورابيديا ..
- علي خليل .. فارس الأخلاق الزملكاوية
- حكاية “الشيخ” أسامة حسني
- محمود الخطيب .. الوجه الآخر
- سيد العاطفي .. الفيلم الذي قاطعة الزملكاوية
- طوابع البريد .. تخلد ذكرى الأحداث الرياضية
4 تعليقات
تعقيبات: مواجهات الزمالك وغزل المحلة .. تعرف علي السجل التاريخي (محدث) | كورابيديا | koraapedia
تعقيبات: محمود الخطيب .. الوجة الآخر | كورابيديا | koraapedia
تعقيبات: على الحسنى (1897-1976) .. نجم كرة القدم وفتوة الناس الغلابة | كورابيديا | koraapedia
تعقيبات: سيد العاطفي .. الفيلم الذي قاطعة الزملكاوية | كورابيديا | koraapedia