الرئيسية | حكايات كورابيديا | لمعي عبدالسميع .. نجم المنصورة الذي تنافس عليه الأهلي والزمالك

لمعي عبدالسميع .. نجم المنصورة الذي تنافس عليه الأهلي والزمالك

لمعي عبدالسميع ..

نجم المنصورة الذي تنافس عليه الأهلي والزمالك

لمعي عبدالسميع نجم المنصورة في الستينيات

لمعي عبدالسميع نجم المنصورة في الستينيات الذي تنافس عليه الأهلي والزمالك

عندما تتجاوز كرة القدم حدود الملعب.. صراع العمالقة على موهبة الدلتا

في سجلات كرة القدم المصرية، حيث تتشابك خيوط الرياضة بالسياسة والشغف الجماهيري بالولاءات العميقة، تبرز حكاية الصراع الأزلي بين قطبي الكرة المصرية، الأهلي والزمالك، كملحمة مستمرة تتجاوز نتائج المباريات وألقاب البطولات. لم تكن المنافسة يوماً مجرد سباق على منصات التتويج، بل امتدت لتصبح معركة ضارية على خطف المواهب اللامعة، خاصة تلك التي تتلألأ في سماء أندية الأقاليم، حيث تُستخدم كافة أساليب الإقناع، بدءاً بالترغيب المادي والمعنوي، وصولاً أحياناً إلى ضغوط تفوق طاقة اللاعبين والأندية الصغيرة على التحمل.

إن تاريخ هذا التنافس المحموم حافل بقصص مثيرة، تحولت فيها مفاوضات ضم لاعب شاب إلى قضية رأي عام، وتدخلت فيها شخصيات نافذة في هرم السلطة، لتُكتب فصول درامية تُروى حتى يومنا هذا. ومن بين هذه الحكايات الخالدة، تبرز قصة الموهبة الفذة القادمة من قلب الدلتا، نجم المنصورة الشاب “لمعي عبدالسميع”، كأيقونة تجسد ذروة هذا الصراع في منتصف ستينيات القرن الماضي. قصته ليست مجرد صفقة انتقال لاعب، بل هي شهادة على قوة الإرادة الفردية في مواجهة الإغراءات والضغوط، وعلى تعقيدات العلاقة بين الرياضة والسياسة في مصر، وعلى الشغف الذي لا ينتهي بين جماهير القطبين الكبيرين. دعونا نبحر في تفاصيل هذه القصة المثيرة، التي حولت لاعباً مغموراً إلى حديث الصباح والمساء، وكادت أن تغير مساره، لولا إصراره وتمسكه بحلم الطفولة.

الجذور التاريخية للصراع على النجوم: ما قبل لمعي

لم تكن قصة لمعي عبد السميع هي الشرارة الأولى في حرب خطف النجوم بين الأهلي والزمالك؛ فالصراع على استقطاب أفضل اللاعبين هو جزء لا يتجزأ من هوية الناديين وتنافسهما التاريخي. البدايات تعود إلى عقود غابرة، ربما إلى اللحظة التي قرر فيها “أبو الكرة المصرية” ورائدها الأول، الأسطورة حسين حجازي، الانتقال من النادي الأهلي الذي ساهم في تأسيسه إلى نادي الزمالك (الذي كان يحمل اسم “المختلط” آنذاك). كانت تلك الخطوة بمثابة الزلزال الذي أرسى قواعد المنافسة الشرسة على اللاعبين.

توالت بعدها الحلقات، وشهدت الملاعب المصرية عبور نجوم كبار بين ضفتي القطبين. ساحر الكرة المصرية عبد الكريم صقر، الذي أمتع الجماهير بمهاراته الفذة، ارتدى قميصي الناديين. وكذلك فعل الهداف التاريخي حسين الفار، والمدافع الصلب فهمي جميعي، والجناح الطائر علاء الحامولي، وغيرهم العشرات ممن تنقلوا بين القلعة الحمراء والقلعة البيضاء، تاركين وراءهم جدلاً واسعاً وولاءات منقسمة.

كان النظام السائد آنذاك، المعروف بـ “موسم الاستقالات”، يتيح للاعبين قدراً من حرية الحركة؛ فمع نهاية كل موسم، كان بإمكان اللاعب تقديم استقالته والانتقال إلى نادٍ آخر، مما فتح الباب على مصراعيه للمنافسة الشرسة والمزايدات المالية. لكن هذا النظام، الذي أدى إلى عدم استقرار فني وإداري، دفع الاتحاد المصري لكرة القدم إلى التدخل..!

وفي عام 1957، وهو عام مفصلي في تاريخ الانتقالات، قرر الاتحاد تطبيق لائحة جديدة جذرية، أصبحت بموجبها عملية انتقال اللاعب من نادٍ إلى آخر شبه مستحيلة دون الحصول على موافقة كتابية صريحة من ناديه الأصلي، أو ما يُعرف بـ”الاستغناء”. كان هذا العام هو الأخير الذي يشهد حرية الانتقالات المعروفة قبل تطبيق نظام الاحتراف الكامل بعد عقود طويلة في مطلع التسعينيات.

أدت هذه اللائحة الجديدة، التي هدفت ظاهرياً إلى حماية الأندية واستقرار اللاعبين، إلى تكريس سلطة الأندية الكبرى وزيادة حدة الصراع على توقيع اللاعبين قبل قيدهم رسمياً، وتحولت معركة الحصول على “الاستغناء” إلى هدف استراتيجي. وفي محاولة لتهدئة الأجواء المحتقنة، شهد يوليو من نفس العام (1957) محاولة لرسم خطوط حمراء؛ حيث تم اتفاق “شرف” بين رئيسي الناديين الكبيرين آنذاك، أحمد عبود باشا (رئيس الأهلي) والدكتور محمود شوقي (رئيس الزمالك). تبادل الرجلان خطابات رسمية يتعهدان فيها بعدم محاولة أي نادٍ ضم لاعب من النادي الآخر إلا بموافقة خطية مسبقة، وبعد الحصول على “تنازل” رسمي (استغناء). بدا الأمر وكأنه هدنة في حرب النجوم، لكن سرعان ما تبين أنها كانت حبراً على ورق، وأن لهيب المنافسة أقوى من أي اتفاقات شرفية.

لمعي عبد السميع: بزوغ نجم المنصورة في سماء كرة القدم

في هذا السياق المشحون، وفي منتصف الستينيات (تحديداً عام 1966)، بدأ نجم جديد يسطع بقوة في سماء مدينة المنصورة، عاصمة الدقهلية وقلب الدلتا النابض بكرة القدم. كان هذا النجم هو الشاب لمعي عبد السميع، ابن قرية “ميت مزاح” المجاورة للمنصورة، الذي لم يكن قد تجاوز العشرين من عمره إلا بشهور قليلة. نشأ لمعي في صفوف ناشئي نادي المنصورة، وسرعان ما لفت الأنظار بمهاراته الفنية العالية وقدراته التهديفية الاستثنائية. لم يكن مجرد لاعب مهاري، بل كان هدافاً بالفطرة، يتمتع بقدم قوية وتصويبات دقيقة نادراً ما تخطئ طريقها إلى الشباك. قيل عنه إنه يمتلك حاسة تهديفية فريدة، وذكاءً في التحرك داخل منطقة الجزاء، وقدرة على التسجيل من أنصاف الفرص.

لمعي عبدالسميع نجم المنصورة في الستينيات

تألقه اللافت لم يمر مرور الكرام. بدأ اسمه يتردد في الأوساط الكروية، وتنبأ له الناقد الرياضي الكبير، صاحب القلم الرشيق والبصيرة الثاقبة، الأستاذ نجيب المستكاوي، بمستقبل باهر ومكانة مرموقة في عالم كرة القدم المصرية. لم تكن شهادة المستكاوي مجرد إطراء عابر، بل كانت بمثابة ختم الجودة الذي يضع اللاعب الشاب تحت مجهر الأندية الكبرى.

الأهلي يتحرك: حلم الطفولة و”عم عبده البقال”

كان لمعي، مثل الكثيرين من أبناء جيله، يحمل في قلبه عشقاً خاصاً للنادي الأهلي. لم يكن مجرد معجب، بل كان متابعاً نهماً لمباريات الفريق الأحمر، يحلم بارتداء قميصه واللعب بجوار نجومه الكبار. هذه الرغبة العميقة لم تخفَ على والده، “عم عبد السميع”، الفلاح البسيط الذي رأى في نجاح ابنه تحقيقاً لأحلامه. نصحه “أولاد الحلال” من أهل القرية الطيبين بأن يسعى لإلحاق ابنه الموهوب بالنادي الأهلي، حيث الأضواء والشهرة والفرصة للعب الدولي، والأهم، تحقيق رغبة الابن الجامحة.

في إحدى ليالي صيف عام 1966، وبينما كان فريق الأهلي يقيم معسكره التدريبي المعتاد في مدرسة أجنبية بشارع أبو قير بالإسكندرية (مدرسة لها ملعب وقسم داخلي للإقامة)، حدث ما لم يكن في الحسبان. فوجئ عبد المنعم حسن، الرجل الإداري المخضرم في الأهلي والمعروف بلقب “عم عبده البقال”، ببواب المدرسة يبلغه في ساعة متأخرة تقترب من منتصف الليل بوجود رجل قروي يرتدي جلباباً بسيطاً يصر على مقابلته لأمر ضروري وعاجل. تعجب “عم عبده” من الزائر غير المتوقع وتوقيت الزيارة، لكنه سمح له بالدخول.

عم عبدة البقال كشاف الأهلي التاريخي

عم عبدة البقال كشاف الأهلي التاريخي

دار حوار بسيط وعميق بين الرجلين: عم عبد السميع: “هل سمعت عن لاعب في المنصورة اسمه لمعي؟ إنه هداف النادي ويريد أن يلعب للأهلي… ما رأيك؟” سأله عم عبده بدهشة وفضول: “وهل هو أهلاوي؟” ضحك الأب بفخر: “أهلاوي أكثر منك!”

كانت هذه الكلمات كافية لتشعل حماس “عم عبده البقال”. لم يضع وقتاً. استشعر صدق الأب ورغبة اللاعب، وأدرك قيمة الموهبة التي يتحدث عنها. في الصباح الباكر، خطف “عم عبده” قدميه متجهاً إلى المنصورة. التقى باللاعب الشاب الذي لم يكمل عامه الحادي والعشرين ولكنه سجل سبعة أهداف في الدقائق القليلة التي لعبها مع فريقه، تأكد من موهبته الفذة ورغبته الصادقة في الانضمام للأهلي. لم يتردد لحظة، اصطحب اللاعب فوراً إلى القاهرة، وبدأ مسرعاً في اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لقيده رسمياً في سجلات النادي الأهلي، معتمداً على رغبة اللاعب كعامل حاسم.

الزمالك يدخل على الخط: سرعة حلمي وحرب الاستغناء

لكن أخبار التحركات الأهلاوية وصلت بسرعة إلى آذان مسئولي نادي الزمالك. وكما هي العادة في أجواء الصراع المحموم، كان للزمالك عيونه وأنصاره في المنصورة. اتصل بعض “الزملكاوية” في المنصورة بالرجل القوي في إدارة الزمالك آنذاك، المهندس محمد حسن حلمي “زامورا”، وأبلغوه بالخبر الخطير: الأهلي يخطف موهبة المنصورة اللامعة.

تحرك “حلمي”، المعروف بدهائه الإداري وسرعة بديهته وولائه المطلق للقلعة البيضاء، بسرعة البرق. استخدم نفوذه وعلاقاته، ونجح في آخر لحظة في إيقاف إجراءات قيد لمعي في سجلات اتحاد الكرة، معرقلاً خطوة الأهلي الحاسمة. لم يكتف حلمي بذلك، بل سافر بنفسه على الفور إلى المنصورة لمقابلة اللاعب ووالده ومسئولي ناديه. وهناك، قدم عرضاً مالياً مغرياً، قيل إنه عرض “ضعف” ما عرضه الأهلي، دون أن يعرف حتى كم هو المبلغ الذي عرضه الأهلي (الذي لم يكن قد دفع شيئاً مادياً بعد، بل كان يتحرك بناءً على رغبة اللاعب فقط). كانت هذه الخطوة تعكس تصميم الزمالك على عدم التفريط في الموهبة، حتى لو تطلب الأمر حرباً مالية وإدارية.

تصاعد الصراع: تدخل الكبار وضغوط هائلة

وهنا، دخلت القصة مرحلة جديدة من التعقيد والتشابك، حيث خرجت من إطار المنافسة الرياضية البحتة لتدخلها دهاليز السياسة والنفوذ. حفاظاً على مستقبل اللاعب، وحرصاً على عدم إغضاب أي من القطبين، طلب مسؤولو نادي المنصورة من “عم عبده البقال” التواصل مع محافظ الدقهلية آنذاك، السيد عبد الفتاح فؤاد، لإنهاء الأمر وإيجاد حل يرضي جميع الأطراف. لكن “البقال” رأى بحنكته أن هذه المهمة أكبر من إمكانياته، وأنها تحتاج إلى تدخل من قمة الهرم الأهلاوي.

تواصل رئيس النادي الأهلي في ذلك الوقت، الفريق أول عبد المحسن كامل مرتجي، شخصياً مع محافظ الدقهلية عبر الهاتف. طلب الفريق مرتجي، بلباقة، الاستغناء رسمياً عن اللاعب لمعي لصالح الأهلي، مؤكداً أن هذه هي رغبة اللاعب نفسه. وعد المحافظ ببحث الأمر مع مجلس إدارة نادي المنصورة. لكن الاجتماع الذي عقد في المنصورة واستمر لساعات طويلة انتهى بقرار مفاجئ وصادم للأهلاوية: رفض الاستغناء عن اللاعب! لم يكن الرفض لأسباب فنية أو مادية، بل لأن المحافظ عبد الفتاح فؤاد كان معروفاً بميوله الزملكاوية الشديدة.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد. تدخل وزير الشباب والرياضة آنذاك، السيد طلعت خيري، الذي كان هو الآخر معروفاً بانتمائه القوي لنادي الزمالك “حتى النخاع” كما وصفته الصحافة وقتها. ساند الوزير قرار المحافظ، متذرعاً بوجود عرض آخر من نادي الطيران لضم اللاعب (وهو ما اعتبره الكثيرون مجرد حجة واهية)، بينما كانت الحقيقة الواضحة هي رغبة المحافظ والوزير في توجيه اللاعب المتألق نحو القلعة البيضاء.

قامت الدنيا ولم تقعد. استدعى الوزير طلعت خيري اللاعب الشاب ووالده إلى مكتبه. مارس عليهما ضغوطاً هائلة، وعرض عليهما الانضمام للزمالك بأي ثمن، بل وعرض على “عم عبد السميع” خدمات حكومية وتسهيلات في أي شأن يريده مقابل موافقة ابنه على اللعب للزمالك. لكن لمعي، الشاب الصغير القادم من الريف، أظهر صلابة وشجاعة نادرتين. رفض عرض الوزير بوضوح، وأعلنها صريحة: “إن لم ألعب للأهلي، سأظل في المنصورة!”.

زاد الطين بلة تدخل محافظ القاهرة آنذاك، السيد سعد زايد، الذي كان يحاول مجاملة الرجل الأقوى في الدولة بعد جمال عبد الناصر، المشير عبد الحكيم عامر، نائب رئيس الجمهورية والقائد العام للقوات المسلحة، والمعروف هو الآخر بعشقه الكبير لنادي الزمالك. حاول سعد زايد بدوره إقناع اللاعب ووالده بالعدول عن رأيهما وقبول عرض الزمالك، لكن الإصرار كان هو سيد الموقف. وصل الأمر بلمعي إلى حد التهديد باعتزال كرة القدم نهائياً إذا تم إجباره على اللعب لفريق غير الأهلي.

سبق صحفي وحديث الشارع: لمعي يتصدر المشهد

تحول الصراع المحتدم حول اللاعب الشاب إلى مادة دسمة للصحافة المصرية. تصدرت أخبار لمعي عبد السميع الصفحات الأولى للجرائد والمجلات الرياضية، وأصبح اسمه على كل لسان. لم يعد مجرد لاعب صاعد، بل أصبح “قضية لمعي”، حديث الصباح والمساء في المقاهي والمنتديات. تناولت الصحف القصة بتفاصيلها المثيرة، وتحول السباق للحصول على آخر تطورات قضيته إلى سبق صحفي تتنافس عليه كبريات الصحف اليومية، ربما بشكل فاق تنافسها على تغطية نتائج المباريات نفسها. تناول الكاتب الرياضي الرائد، الصحفي عبد الرحمن فهمي، القصة بأسلوبه الساخر اللاذع الذي يعكس روح الدعابة المصرية، وخصص لها فصلاً في كتابه الشهير “حكايات رياضية” تحت عنوان بسيط ومعبر: “حكاية لاعب اسمه لمعي”.

الجمود والمأزق: مستقبل على المحك

أصبح وضع لمعي معقداً للغاية. من الناحية القانونية، كان “الاستغناء” الخاص به موجوداً في حوزة “عم عبده البقال” ممثل الأهلي، بعد أن وقعه نادي المنصورة. لكن الأهلي لم يكن يستطيع قيد اللاعب رسمياً في سجلاته بسبب الفيتو المفروض من الوزير والمحافظ. في الوقت نفسه، لم يكن نادي المنصورة يستطيع إشراك اللاعب في مبارياته لأنه، من الناحية الرسمية، قد استغنى عنه بالفعل. وجد لمعي نفسه في مأزق حقيقي، معلقاً بين السماء والأرض، لا يلعب ولا يتدرب، ومستقبله الكروي الواعد مهدد بالضياع. استمر هذا الوضع المقلق لعدة أشهر، زادت خلالها الضغوط والمساومات، وبدا أن الأزمة لن تُحل.

التدخل الحاسم: كلمة المشير عامر

وصلت أصداء الأزمة المتفاقمة إلى أعلى مستويات السلطة في البلاد، إلى مكتب المشير عبد الحكيم عامر نفسه. ربما رأى المشير أن الأمر قد تجاوز حده، وأن الصراع بدأ يأخذ أبعاداً قد تضر بالاستقرار العام أو بسمعة الرياضة المصرية. قرر المشير التدخل شخصياً لحسم الجدل.

استدعى المشير عامر جميع أطراف الأزمة إلى اجتماع حاسم: اللاعب لمعي عبدالسميع ووالده، وزير الرياضة طلعت خيري، رئيس النادي الأهلي الفريق مرتجي، ورئيس نادي الزمالك (أو من يمثله). في هذا الاجتماع المهيب، وأمام هذا الحضور الرفيع، طلب المشير عامر، المعروف بميوله الزملكاوية، من اللاعب الشاب أن يعبر عن رأيه ورغبته النهائية بكل صراحة وحرية. لم يتردد لمعي، وكرر بنفس الثبات والإصرار الذي أبداه أمام الوزير والمحافظ: “إما الأهلي، أو العودة إلى المنصورة”.

المشير عامر يحسم صراع الأهلي والزمالك علي اللاعب لمعي عبدالسميع

المشير عامر يحسم صراع الأهلي والزمالك علي اللاعب لمعي عبدالسميع

أمام هذا الإصرار الواضح، ورغبةً منه في إنهاء الأزمة، اتخذ المشير عامر قراراً حاسماً وفاجأ به البعض: قرر احترام رغبة اللاعب وتحقيق حلمه. أصدر توجيهاته بتسهيل إجراءات قيد لمعي عبدالسميع في النادي الأهلي فوراً. كان هذا القرار بمثابة كلمة النهاية في صراع طويل ومرير، وأظهر (رغم انتماء المشير للزمالك) قدراً من الحكمة والحرص على عدم كسر إرادة اللاعب الشاب.

نهاية حلم لم يكتمل: شهور في الأهلي ونكسة يونيو

وهكذا، بعد أشهر من الشد والجذب والضغوط والتدخلات، انتقل لمعي عبدالسميع أخيراً إلى القلعة الحمراء، محققاً حلم الطفولة الذي كاد أن يتبدد. انضم لمعي إلى جيل مميز في النادي الأهلي ضم نجوماً كباراً مثل الحارس السوري مروان كنفاني، والمدافعين ميمي عبد الحميد وميمي الشربيني، وقائد الفريق ونجم الوسط رفعت الفناجيلي، وصانع الألعاب العبقري طه إسماعيل.

لكن القدر كان يخبئ للمعي وللكرة المصرية فصلاً حزيناً. لم تدم مسيرته مع الأهلي طويلاً. لعب شهوراً معدودة فقط، لم تكن كافية ليثبت كامل إمكاناته ويترجم موهبته الكبيرة إلى نجومية واسعة. ففي يونيو 1967، حلت نكسة حرب الأيام الستة، التي ألقت بظلالها القاتمة على كافة مناحي الحياة في مصر، بما في ذلك النشاط الرياضي الذي تم تجميده لفترة طويلة. مع توقف النشاط، توارى اسم لمعي عبد السميع تدريجياً، وانطفأ بريقه كما انطفأ بريق العديد من النجوم الآخرين الذين تأثرت مسيرتهم بتلك الظروف العصيبة. بقيت قصة انتقاله الصاخبة هي الأثر الأبرز في ذاكرة الجماهير، وبقي السؤال يتردد: ماذا كان يمكن أن يقدمه لمعي لو استمرت مسيرته في ظروف طبيعية؟

إرادة لاعب في مواجهة عواصف القطبين

تظل حكاية لمعي عبدالسميع واحدة من أكثر القصص إثارة ودرامية في تاريخ الصراع بين الأهلي والزمالك على خطف المواهب. إنها قصة تتجاوز كونها مجرد صفقة انتقال، لتصبح رمزاً لإرادة لاعب شاب تمسك بحلمه وعشقه لفريقه المفضل في مواجهة إغراءات مادية وضغوط سياسية هائلة من شخصيات نافذة في قمة هرم السلطة. لقد أظهر لمعي، الفتى القروي البسيط، شجاعة وصلابة نادرتين، وأثبت أن الانتماء والرغبة الصادقة يمكن أن يكونا أقوى من أي اعتبارات أخرى.

كما تكشف قصته بوضوح عن عمق التداخل بين الرياضة والسياسة في مصر خلال تلك الفترة، وكيف كان الانتماء الكروي للمسؤولين الكبار يلعب دوراً مؤثراً في قراراتهم ومواقفهم. ورغم النهاية غير المكتملة لمسيرة لمعي الكروية بسبب ظروف خارجة عن إرادته، فإن قصته ستبقى محفورة في ذاكرة كرة القدم المصرية كشهادة حية على شراسة المنافسة بين القطبين، وعلى قوة الإرادة الفردية، وعلى أن كرة القدم في مصر كانت ولا تزال أكبر من مجرد لعبة. إنها جزء لا يتجزأ من نبض الشارع، ومرآة تعكس أحلام وطموحات وتناقضات مجتمع بأكمله.

طالع أيضا علي كورابيديا ..

💥 حكايات كورابيديا .. حكايات كروية خاصة ومتميزة 

💥 تريندينج كورابيديا .. متابعة حية ودقيقة لجميع الأحداث الرياضية 

💥 سلسلة أرشيف الأهرام الرياضي

💥 سجل الثنائيات في الدوري المصري 

💥 سجل الهاتريك في الدوري المصري 

المصادر للاطلاع ..

عن Mohamed Emara

محمد عمارة، مهندس مصري شغوف بتوثيق أرقام وإحصائيات كرة القدم، وصاحب رؤية خاصة ومتفردة في أرشفة تاريخ اللعبة الأكثر شعبية.. هو مؤسس ومدير موقع كورابيديا، المنصة المتخصصة في تقديم التحليلات الرقمية والإحصائيات الدقيقة لعشاق كرة القدم.. يسعى دائمًا لتعزيز الوعي الرياضي من خلال جمع المعلومات الموثوقة وتقديمها بأسلوب مبتكر.. يكرّس وقته وشغفه لبناء مرجع رياضي شامل يربط بين الماضي والحاضر في عالم كرة القدم.

2 تعليقات

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

تاريخ الأندية الأفريقية في كأس العالم للأندية

تاريخ الأندية الأفريقية في كأس العالم للأندية (2000-2025)

نستهل معكم في "كورابيديا" سلسلة جديدة ومُعمقة نستعرض من خلالها تاريخ مشاركات الأندية من كل قارة في بطولة كأس العالم للأندية، والتي انطلقت نسختها الأولى في البرازيل عام 2000. نبدأ هذه الرحلة من قلب القارة السمراء، حيث سطّرت الأندية الأفريقية فصولاً من الإنجازات والتحديات في هذا المحفل العالمي. منذ انطلاق البطولة، لم تكتفِ أندية أفريقيا بالمشاركة، بل تركت بصمة واضحة، محققةً إنجازاتٍ جعلتها تقف على منصات التتويج في ست مناسبات حتى الآن. اثنان من هذه الأندية، وهما مازيمبي الكونغولي (2010) والرجاء المغربي (2013)، تمكنا من الوصول إلى المباراة النهائية وحصد الميدالية الفضية، في إنجاز تاريخي للقارة. بينما عزز الأهلي المصري مكانته كأحد أبرز ممثلي أفريقيا، بحصوله على الميدالية البرونزية في أربع مناسبات أعوام 2006، 2020، 2021، و2023. في هذه السلسلة، سنغوص في تفاصيل المباريات، الأرقام والإحصائيات، سجلات الهدافين، وبطاقات معلومات كل مباراة بالتفصيل، لنروي قصة كل نادٍ أفريقي شارك في البطولة، ونستعرض رحلته في البحث عن المجد العالمي. كونوا معنا في هذه الرحلة الشيقة عبر تاريخ كرة القدم الأفريقية في كأس العالم للأندية.

كأس العالم للأندية 2012

كأس العالم للأندية 2012 | اليابان تواصل استضافة العرس العالمي

كأس العالم للأندية 2012 .. للمرة الثانية على التوالي، وفي إشارة واضحة على ثبات مكانتها كمعقل للبطولة، عادت اليابان لاستضافة كأس العالم للأندية في عام 2012. لقد رسخت أرض الشمس المشرقة نفسها كوجهة مفضلة لهذا "العرس العالمي"، حيث استقبلت نخبة الأندية من مختلف القارات لتتنافس على اللقب الأغلى. لم تكن هذه النسخة مجرد استمرارية، بل تأكيداً على الإرث الذي بنته اليابان للبطولة وقدرتها على تقديم تجربة كروية فريدة تجمع بين الشغف الجماهيري والتنظيم الاحترافي، لتواصل بذلك كتابة فصول جديدة في تاريخ هذه المسابقة المرموقة.