راودتني أكثر من مرة فكرة كتابة موضوع عن تاريخ نادى اليونان السكندري، خاصة أنه من أوائل الأندية التي شاركت في بطولة الدوري العام لكرة القدم منذ إطلاق نسختها الأولى عام 1948م، لكن تضارب المعلومات وندرتها وقف حائلا أمام تلك الفكرة، والتي تم تأجيلها إلى حين، خاصة أن هناك من تحدث أن النادي اليوناني البحري هو نفسه نادى اليونان السكندري المعروف في عالم كرة القدم المصرية، وهناك من نفى ذلك تماما..

حتى ظهر مقالا على موقع اليوم السابع تحدث بشكل كبير عن تاريخ النادي المجهول، وهي المعلومات التي تأكدت منها عن طريق الصديق والمؤرخ السكندري الكبير الأستاذ محمد يوسف، والذي أكد أن كاتب المقال تحدث مع العديد من الأعضاء القدامى في النادي حتى خرج الموضوع إلى النور بشكل جيد جدا، وهو الحافز الذي شجعنا في كورابيديا إلي البحث والتنقيب في الأرشيف الكروي من أجل الكتابة عن هذا النادي المجهول .. نادي اليونان السكندري.

كتب :: جمال عبدالحميد

تاريخ الجالية اليونانية في مصر

استوطنت الجاليات اليونانية في مصر، وبالتحديد مدينة الإسكندرية منذ أواخر القرن الثامن عشر، ونجح اليونانيون في أن يشقوا طريقهم وينغمسوا وسط المجتمع المصري، وذلك بالصبر والكد والجلد والأخلاق الحميدة أيضا..

حيث امتهنوا العديد من المهن والحرف المختلفة، والتي تميزوا فيها بحرفية عالية، ومع تزايد أعداد اليونانيين في مصر قاموا عام 1843م بتأسيس جمعية الجالية اليونانية، وذلك بمدينة الإسكندرية، والتي كانت تهدف إلى النهوض بأفراد الطائفة ورعاية مصالحها عن طريق العمل والإنتاج، وأعقب ذلك تأسيس جمعيتهم في القاهرة وبورسعيد والإسماعيلية وميت غمر وأسيوط وغيرها من المحافظات المصرية..

وأنشأ اليونانيون من خلال تلك الجمعيات المدارس والمستشفيات والكنائس، كما استطاعوا إنشاء كيانات تجارية واقتصادية ورياضية. . حيث ظهرت على الساحة الرياضية العديد من الأندية اليونانية أشهرها نادى اليونان السكندري.

نادي اليونان .. أحد أقدم الأندية في الإسكندرية

يعد نادى اليونان السكندري واحد من أقدم الأندية في الإسكندرية عروس البحر الأبيض المتوسط، حيث يشير المقال المنشور على موقع اليوم السابع أن تاريخ إنشاء النادي يعود إلى العام 1909م عن طريق أفراد من الجالية اليونانية، حيث تم تأسيسه في البداية كنادي يهتم بالرياضات البحرية مثل رياضة التجديف وسباقات الشراع وكان مقره الأول عبارة عن مبنى خشبي داخل ميناء الإسكندرية وكان يجاور قصر رأس التين..

وظل في هذا المكان لعدة سنوات، وفي عام 1935م تم نقل مقر النادي بجوار قلعة قايتباي بمنطقة الأنفوشي بالإسكندرية، وذلك بعد انزعاج الملك فاروق من وجود النادي بجوار قصر رأس التين، وقال كيف ترى حريم القصر من شرفاته رياضيين أجانب وهم يتدربون، حينها تقرر نقل النادي ليبتعد بعض الشيء فقط عن القصر تحقيقاً لرغبة الملك..

وظل اليونانيون يمارسون رياضتهم البحرية (التجديف وسباقات الشراع) في النادي لمدة طويلة حتى نجحوا في إدخال العديد من الرياضات المائية الأخرى مثل الكرة الطائرة الشاطئية وكرة الماء وسباحة المسافات الطويلة، وحققت فرق النادي بطولات محلية ودولية متعددة منذ بداية القرن العشرين، وكان فريق كرة الماء بالنادي قد حقق العديد من الإنجازات مع الفريق القومي اليوناني حيث كان معظم أفراد الفريق من النادي اليوناني بالإسكندرية، كما حققت فريق صيد الأسماك بالنادي عدة بطولات محلية ودولية.

بداية نشاط كرة القدم في نادي اليونان

بدأ نادى اليونان السكندري المشاركة في بطولات كرة القدم في أوائل العشرينيات من القرن الماضي، بعد تكوين فريق للكرة اعتمد على أبناء الجالية اليونانية في الإسكندرية. . حيث أطلق عليه في البداية اسم (جريك الإسكندرية) وهو الاسم الذي أطلقه الإسكندرانية في تلك الفترة على أبناء الجاليات اليونانية (الاجريج)، وهي تحوير لكلمة الإغريق..

ثم تحول الاسم عام 1924م من (جريك الإسكندرية) إلى (هيللينلك يونيون) أو اتحاد اليونان كما جاء في كتاب (الإغريق والرومان في الملاعب المصرية) للمؤرخ خالد أبو العيون، وكان فريق اليوناني وقتها يلعب مبارياته على ملعب المدرسة اليونانية، وفي أواخر الثلاثينيات كان ملعب النادي في رأس التين يستضيف مبارياته إلى أن تم نقل اللقاءات الكروية على ملعب نادى اليونان في الأزاريطة بالإسكندرية.

بداية مشاركات نادي اليونان في البطولات الرسمية

شهد موسم (1921-1922) انطلاق أولى بطولات دوري الإسكندرية أو دوري منطقة الإسكندرية، حيث أقام الاتحاد المصري لكرة القدم الذي تأسس عام 1921 أولى دورياته في شكل دوريات محلية وفقا للمناطق وهي (القاهرة، الإسكندرية، بحري، القناة)

كان دوري منطقة الإسكندرية يضم الفرق الموجودة بمدينة الإسكندرية مثل الاتحاد السكندري والنادي الأوليمبي ونادي الترام وغيرها من الأندية المصرية، بالإضافة إلى أندية الجاليات الأجنبية وكان نادى اليونان السكندري أو (هيللينلك يونيون) هو أول أندية الجاليات الأجنبية المشاركة في دوري الإسكندرية، عندما شارك لأول مرة في البطولة الأولى موسم (1921-1922) ولكنه لم يستمر في المشاركة بصفة منتظمة إلى أن عاد للمشاركة بانتظام حتى صار من بداية حقبة الثلاثينيات أحد أهم الأندية في دوري منطقة الإسكندرية.

تاريخ المشاركة في الكأس السلطانية وكأس مصر

يشير الأستاذ خالد أبو العيون في كتابه (الإغريق والرومان في الملاعب المصرية) أن نادى اليونان السكندري كان من أوائل فرق الجاليات الأجنبية التي شاركت في بطولة كأس السلطان حسين، بل إنه وصل في العديد من البطولات إلى الأدوار الرئيسية، وهي الأدوار التي تبدأ من ربع النهائي الذي كان في أغلب الأحيان يطلق عليه الدور الثالث..

الكأس السلطانية .. مهد ميلاد البطولات المصرية

ففي موسم (1929/1928) خرج من الدور ربع النهائي بعد الهزيمة من نادى المختلط (الزمالك حاليا) بثلاثة أهداف مقابل هدفا واحد، ومن نفس الدور خرج في موسم (1931/1930) أمام المختلط أيضا بعد الخسارة بهدفين نظيفين، ومن ربع النهائي أيضا خرج فريق اليونان السكندري مرة أخرى، ولكن هذه المرة من أمام النادي الأهلي الذي فاز بثلاثية نظيفة.

كما شارك الفريق في كأس الملك فاروق (كأس مصر) مع قرار السماح لأندية الجاليات الأجنبية واللاعبين الأجانب المشاركة في البطولة، فوصل النادي للأدوار الرئيسية بانتظام منذ المشاركة الأولى له موسم (1939/1938)، وفيها وصل إلى دور الستة عشر وخرج أمام الترام، وظلت مشاركاته مستمرة في البطولة حتى موسم (1954/1953) عندما خرج من ثمن النهائي أمام فريق اتحاد السويس.

وكانت أفضل نتائجه في بطولة كأس مصر هي الوصول إلى الدور ربع النهائي مرتين.. موسم (1940/1939) ونال الهزيمة من النادي المصري البورسعيدي بهدفين نظيفين، وموسم (1950/1951) عندما خسر من نادى فاروق (الزمالك حاليا) بهدفين نظيفين أيضا.

المشاركة في أول بطولة للدوري العام المصري ..

بعد محاولات حثيثة لإطلاق بطولة الدوري العام المصري لكرة القدم، جاءت شرارة الانطلاق في موسم (48-1949)، حيث قام المسئولين باختيار أفضل الأندية من كل منطقة على حسب النتائج في دوري المناطق ( القاهرة – الإسكندرية – القناة ) بآخر موسم، وذلك من أجل المشاركة في النسخة الأولى لمسابقة الدوري العام، وكان نادى اليونان السكندري على رأس الأندية المشاركة عن منطقة الإسكندرية في الموسم الأول للدوري..

وقد كتب نادي اليونان أسمه في صفحات تاريخ البطولة الوليدة، وذلك عندما لعب أولي مبارياته في البطولة أمام النادي الأهلي بنجومه الكبار حلمي أبو المعاطي وعبد العزيز همامي وفؤاد صدقي ومحمد لهيطة وأحمد مكاوي وغيرهم، وقد انتهت المباراة بخمسة أهداف نظيفة فاز بهم المارد الأحمر على نادي اليونان السكندري بملعب الأهلي بالجزيرة..

الدوري العام المصري | موسم (48-1949) | البداية

ليذكر في التاريخ دائما الفوز الأول للنادي الأهلي في بطولة الدوري العام المصري مقرونا بأسم اليونان السكندري، وأيضا تكون أكبر هزيمة في افتتاحية مباريات الموسم الأول للدوري من نصيب فريق اليونان..

كان التشكيل الأول لنادى اليوناني السكندري في أولى مبارياته في الدوري أمام النادي الأهلي مكون من …

بوناليدس (حارس مرمى)
ارجيرس
لابيرو
زيتونياديس
قسطندى
كالانيدس
بجوانيس
افرام
كيروس
خيريس

الفوز الأول .. وأول حادثة شغب

شهد الفوز الأول الذي حققه فريق اليونان في تاريخه بالدوري المصري حادث مؤسف. . ظل مرتبط تاريخيا باسم نادي اليونان السكندري، عندما فاز بثلاثة أهداف مقابل هدفا واحد على نادي الترسانة في المباراة التي أقيمت بين الفريقين ضمن مباريات الجولة السادسة، والتي شهدت أول حادثة شغب تحدث في تاريخ الدوري العام المصري..

الدوري العام المصري | موسم 48-1949 | القمة الأولي

طالع أيضا / الأسبوع السادس | موسم (48-1949) | حادثة الشغب الأولي

فعندما كانت تشير عقارب الساعة إلي الدقيقة 55 من عمر اللقاء، أحتسب أبو العز أفندي حكم المباراة ركلة جزاء لصالح فريق اليونان، والذي كان متقدما حينها بهدفين مقابل هدف، ليسجل اليونان هدفه الثالث في المباراة، ليقوم عندئذ عبد الجليل حميدة حارس الترسانة وحارس النادي الأهلي فيما بعد بالتفوه بألفاظ خارجة تجاه حكم اللقاء الذي قام بطرده من ملعب المباراة..

لكن الحارس رفض الخروج من الميدان، لتنزل الجماهير لأرض الملعب ويختلط الحابل بالنابل، لينهي الحكم المباراة قبل نهايتها بنتيجة (3-1) لصالح فريق اليونان محققا النتيجة الإيجابية الوحيدة له بالدور الأول بالفوز علي الترسانة في المباراة الشهيرة والهزيمة في ال 9 مباريات المتبقية.

نادي اليونان صاحب أول تعاقد مع مدير فني أجنبي ..

من الصفحات التاريخية التي دونت باسم اليونان السكندري أنه كان صاحب أول صيغة تعاقدية مع مدرب أجنبي في تاريخ الدوري المصري، وذلك عندما استعان في نهاية الدور الأول عام 1948 بالمدرب النمساوي شارل دوسكيت لتولي مهمة الفريق..

طالع أيضا / الدوري العام المصري | موسم (48-1949) | القمة الأولي

وقد نص التعاقد على حصول المدرب على راتب شهري 35 جنية بالإضافة إلى حصوله على مبلغ 2 جنيه عن كل فوز يحققه الفريق تحت قيادته بالدوري، كما يحصل على جنيه واحد عن كل مباراة يتعادل فيها الفريق، وتضمن العقد أيضا بند ينص على حصول المدرب الأجنبي على إيراد مباراة تقام مرة كل عام.

والجدير بالذكر أن نتائج الفريق تحسنت نوعا ما مع المدرب الأجنبي في الدور الثاني، فاستطاع التعادل مع الزمالك المختلط والإسماعيلي والمصري، وتحقيق الفوز في مباراتين على السكة الحديد والترام.

النجاة من الهبوط في الموسم الأول .. بهدية غير متوقعة

أحتل فريق اليوناني المركز الأخير في ترتيب الفرق في نهاية النسخة الأولى لبطولة الدوري برصيد 9 نقاط حيث خاض 20 مباراة فاز في 3 مباريات، وتعادل في مثلها، بينما نال الهزيمة 14 مرة، وسجل لاعبوه 13 هدف كأضعف خط هجوم ودخل مرماه 43 هدف كأسوأ خط دفاع..

وعلى الرغم من احتلال اليونان للمركز الأخير في جدول ترتيب الموسم الأول للدوري، إلا أن دوره ثلاثية تقرر إقامتها بين الفرق أصحاب المراكز الأخيرة في الترتيب العام أنقذت الفريق من الهبوط، حيث أقيمت الدورة بين كلا من بورفؤاد والترام واليونان، وانتهت ببقاء بورفؤاد واليوناني وهبوط الترام.

هبوط بلا عودة .. ونهاية النشاط الكروي

كان موسم (1950/1949) هو الموسم الثاني والأخير في رحلة نادى اليوناني السكندري القصيرة مع بطولة الدوري العام، بعدما جاء في المركز العاشر والأخير في جدول ترتيب الفرق المشاركة في البطولة برصيد 14 نقطة جمعها من 18 مباراة فاز في 4 وتعادل في 6 وخسر 8 لقاءات، وسجل لاعبوه 16 هدفا ودخل مرماه 29 هدف..

ترتيب الدوري العام موسم 1949-1950

لتقام مباراتين بين السكة الحديد واليوناني السكندري لتحديد الفريق الهابط إلى دوري المظاليم واستطاع فريق السكة الفوز باللقاءين 3- صفر و4- صفر ليهبط نادي اليونان بلا عودة للدوري الممتاز مرة أخرى، وبقي في دوري الدرجة الثانية حتى موسم (1960/ 1959)، وهو الموسم الذي شهد احتلال الفريق المركز العاشر والأخير حيث حقق خلال 18 مباراة فوزا واحدا وثلاث تعادلات خسر 14 مباراة. .

وفي موسم (1961/ 19608) شارك اليونان في دوري الدرجة الثالثة، كما شارك في الدور التمهيدي لبطولة كأس مصر، وخسر من الترام بثلاثة أهداف مقابل هدف واحد ليتم إلغاء النشاط الكروي رسميا للنادي بقرار من السفارة اليونانية، ويصبح نشاط كرة القدم ترفيهي فقط إلى أن اختفى تماما بعد ذلك ليبقى اسم اليونان السكندري مجرد ذكرى في تاريخ كرة القدم المصرية.