رواية “أولتراس – تجربة بيضاء”
أشرف أبو الخير
تُشكل مكتبة كورابيديا اليوم، وبكل فخر، نقطة التقاء فريدة لعشاق الكتب الرياضية، حيث نسعى جاهدين لتقديم خدمة مميزة لأصدقائنا وجمهورنا الكريم. تأتي هذه الخدمة في إطار سعينا الدائم لإثراء المحتوى العربي المتخصص في كرة القدم، بتقديم أهم المؤلفات والكتب في هذا المجال، سواء كانت مصرية أو عالمية. لا نكتفي بعرض الكتب فحسب، بل نقدم أيضًا نبذة شاملة عن محتواها، وتعريفًا وافيًا بمؤلفيها، بالإضافة إلى أهم الآراء والمراجعات التي صدرت عنها، لنقدم للقارئ تجربة متكاملة قبل الغوص في صفحات هذه الأعمال الأدبية القيمة.
وفي هذا السياق، يبرز عمل أدبي استثنائي يُعد الأول من نوعه في مصر، ليأخذ من شغف كرة القدم وتشجيع الجماهير أرضية خصبة لأحداثه وشخصياته. إنه رواية “أولتراس – تجربة بيضاء”، التي تُقدمها مكتبة كورابيديا بكل اعتزاز، لتمثل إضافة نوعية لمحتوانا الثري، ولتُعرف القارئ على جانب مختلف وعميق من عالم الأولتراس، بما يتجاوز الصورة النمطية السائدة. هذه الرواية ليست مجرد قصة عن كرة القدم، بل هي نافذة على عوالم الشباب وتطلعاتهم، وعمق تفكيرهم، في فترة زمنية حاسمة سبقت تغييرات كبيرة في المنطقة العربية.
“أولتراس – تجربة بيضاء”: قصة ولادة عمل أدبي من رحم الشغف
يبدأ الكاتب أشرف أبو الخير، مؤلف رواية “أولتراس – تجربة بيضاء”، بالحديث عن الإلهام الذي قاده لكتابة هذا العمل. في مايو 2010، وقبل أن تندلع شرارة الثورات العربية التي غيرت وجه المنطقة، كان الشغف بكرة القدم هو المحرك الأساسي لكثير من الشباب. في خضم حالة من الركود السياسي والاجتماعي، كان الكاتب، مثله مثل الآلاف من عشاق الساحرة المستديرة، يتابع بشغف مباريات فريقه المفضل، نادي الزمالك.
كان الأداء اللافت لمجموعة “أولتراس وايت نايتس” (Ultras White Knights) يلفت انتباه كل من يداوم على حضور المباريات، بمن فيهم الكاتب. هذا الأداء، الذي يتجاوز مجرد التشجيع التقليدي، أثار فضوله حول كنه هذا الفكر وتفاصيله العميقة. لم يكتفِ الكاتب بالمشاهدة السطحية، بل بدأ رحلة بحث مستفيضة. استعان بمحرك البحث “جوجل”، وسأل أصدقائه، بل وتواصل مع أعضاء من المجموعة أنفسهم لفهم فلسفتهم ونشاطهم.
ما اكتشفه الكاتب خلال هذه الرحلة كان مذهلاً. لقد صُدم بعمق الفكرة وتعقيدها، وبدأ على الفور في صياغة مشاعره وتأملاته حول هذا العالم الجديد في سطور على صفحته الشخصية على “فيسبوك”. هذه السطور، التي كانت مجرد تعبير عفوي عن إعجابه وفضوله، لفتت انتباه صديق عزيز، الذي حفزه على تحويل هذه المشاعر والتساؤلات إلى عمل أدبي متكامل يُنشر من خلال إحدى دور النشر.
رواية وُئدت ثم بُعثت من جديد: تحديات النشر في زمن الثورة
تلقف الكاتب هذه الفكرة بحماس، وبدأ في العمل على تطوير تلك السطور العفوية إلى رواية حقيقية. وفي سبتمبر من العام نفسه، 2010، كانت صفحات الرواية المكتملة ترقد في أحد أدراج إحدى دور النشر المعروفة، حاملة وعدًا بصدورها في معرض الكتاب الذي كان مقررًا في يناير 2011. كان هذا الموعد يحمل في طياته الكثير من الأمل والطموح للكاتب الشاب.
لكن القدر كان له رأي آخر. جاء يوم الثالث والعشرين من يناير 2011، اليوم التالي لـ “جمعة الغضب”، لتشتعل شرارة ثورة يناير المجيدة في مصر. وبالطبع، أدت الأحداث المتسارعة التي شهدتها البلاد، وحالة الاضطراب السياسي والاجتماعي، إلى توقف مشروع الرواية تمامًا. انخرط الجميع في الهول الثوري الدائر، وباتت الأولويات تتجه نحو قضايا أكبر وأكثر إلحاحًا، ليموت المشروع وتتوقف مسيرة هذا العمل الأدبي الوليد.
مرت الشهور تلو الأخرى، والكاتب، رغم انخراطه الكامل في الأحداث الثورية، كان ينتظر صدور روايته بفارغ الصبر. وعدًا تلو الآخر، وكلمة تلو الأخرى من دار النشر، لكن لا شيء كان يتم تنفيذه. الأجواء العامة كانت لا تسمح بمثل هذه المشاريع، والتركيز كان على قضايا أخرى. ومع ذلك، كان هناك حدث آخر أثر بشكل مباشر على مصير الرواية.
صدر كتاب المدون محمد جمال بشير بعنوان “الألتراس”، والذي قام فيه بتأريخ شامل لفكرة الأولتراس وتتبع مسارها في مصر والعالم العربي. هذا الكتاب، الذي قدم تحليلًا تاريخيًا ووثائقيًا لهذه الظاهرة، جعل مشروع رواية أشرف أبو الخير يبدو وكأنه قد توفي تمامًا في نظر الكاتب. فقد شعر أن الفكرة قد تم تناولها بشكل آخر، وأن فرص روايته في الظهور قد تضاءلت.
ولكن الشغف لا يموت بسهولة. بعد فترة من التفكير والتأمل، قرر الكاتب أشرف أبو الخير أن يعيد إحياء هذا العمل الأدبي. لقد أدرك أن روايته، على الرغم من تناولها لنفس الظاهرة، تختلف تمامًا عن كتاب “الألتراس”. عمله هو عمل روائي بحت، قصة تتخذ من تشجيع كرة القدم أرضية لها، ولكنه ليس تأريخًا أو توثيقًا. قرر الكاتب ألا يسمح لهذا الوليد الأدبي أن يلفظ أنفاسه الأخيرة بسبب مقارنته بعمل مختلف في طبيعته.
وهكذا، اتخذ الكاتب قرارًا جريئًا بإعادة إحياء الرواية عن طريق نشرها على الإنترنت. كان هذا القرار بمثابة نقطة تحول، فقد أتاح للرواية أن ترى النور وتصل إلى جمهور أوسع، متجاوزة عقبات النشر التقليدي في تلك الفترة العصيبة. وقد كان له ما أراد، وانتشرت الرواية على الشبكة العنكبوتية، لتجد طريقها إلى القراء.
“أولتراس – تجربة بيضاء”: عمل روائي يتخذ من شغف كرة القدم أرضية له
إن ما بين أيدي القارئ الآن، وما تقدمه مكتبة كورابيديا بكل اهتمام، هو عمل روائي فريد من نوعه. “أولتراس – تجربة بيضاء” ليست مجرد سرد لأحداث، بل هي محاولة للغوص في عقلية الشباب الذين يشكلون جماهير الأولتراس. إنها الرواية الأولى في مصر التي تتخذ من ظاهرة تشجيع كرة القدم، بكل تعقيداتها وديناميكياتها، أرضيةً خصبة لأحداثها وشخصياتها.
قد يميل القارئ إلى هذا العمل، وقد لا يفعل. هذا أمر طبيعي في عالم الأدب. ولكن في النهاية، هذه الرواية هي الوليد الأول للكاتب، والتي يصعب عليه كثيرًا أن يراها تُقارن بعمل آخر ليس قصة ولا رواية في جوهره، فقط لأنه يتناول نفس الموضوع. “أولتراس – تجربة بيضاء” هي قصة متكاملة، بلا تفاصيل معقدة أو أبعاد فلسفية متشعبة، بل هي سرد مباشر لأحداث وشخصيات تدور في فلك عالم الأولتراس.
تدور كل أحداث الرواية قبل شهور قليلة من اندلاع ثورة يناير. هذه الفترة الزمنية الدقيقة تمنح الرواية بعدًا خاصًا، حيث يمكن للقارئ أن يرى من خلالها جانبًا لم يكن يراه من قبل عن حياة هؤلاء الشباب. إنهم الشباب الذين كانوا يملأون السمع والأبصار في المدرجات، والذين أصبحوا فيما بعد جزءًا لا يتجزأ من المشهد السياسي والاجتماعي في مصر.

“أولتراس – تجربة بيضاء”: رحلة أدبية فريدة في عالم كرة القدم تقدمها مكتبة كورابيديا
تقدم الرواية لمحة عن دوافع هؤلاء الشباب، تطلعاتهم، أحلامهم، وحتى إحباطاتهم، في فترة ما قبل الثورة. إنها لا تسعى إلى تبرير أو إدانة، بل تسعى إلى الفهم العميق لثقافة الأولتراس من منظور روائي، من خلال عيون شخصيات تعيش هذه التجربة. تبرز الرواية شغفهم الكبير بكرة القدم، وانتماءهم العميق لمجموعاتهم، وكيف أن هذا الانتماء كان يشكل لهم متنفسًا للتعبير عن أنفسهم في ظل قيود مجتمعية وسياسية كانت سائدة آنذاك.
إن “أولتراس – تجربة بيضاء” هي دعوة للقارئ لاكتشاف عالم الأولتراس من الداخل، بعيدًا عن الأحكام المسبقة والصور النمطية التي غالبًا ما تُقدمها وسائل الإعلام. إنها تجربة أدبية حقيقية، تُسلط الضوء على طبقة مهمة من الشباب المصري، وتكشف عن جوانب إنسانية عميقة في شخصياتهم. هذا العمل، الذي رأى النور بفضل إصرار الكاتب، يمثل شهادة على قوة الأدب في استكشاف الظواهر الاجتماعية والثقافية، وتقديمها في قالب فني يلامس الوجدان.
في الختام، يسعدنا في مكتبة كورابيديا أن نضع هذه الرواية بين أيديكم، داعينكم للانغماس في عالم “أولتراس – تجربة بيضاء” واكتشاف ما تخبئه صفحاتها من حكايات وتجارب. نأمل أن تكون هذه الرواية، وغيرها من الكتب الرياضية التي نقدمها، مصدر إلهام وفائدة لكل من يعشق كرة القدم والأدب على حد سواء.
أشرف أبو الخير | مارس 2012
للاطلاع علي قائمة كورابيديا للكتب الرياضية أضغط هنا
طالع أيضا علي كورابيديا ..
- تقديم كتاب الحريف – إبراهيم فايق 2020
- الكورة والملاعب .. العدد الأول
- كتاب أهلاوي – مؤمن المحمدي
- ياسر أيوب .. الصحفي المهموم بقضايا الرياضة المصرية