سجل مباريات منتخب مصر عام (1998)
الجزء الخامس .. الحلم أصبح أخيرا حقيقة
قصة وكواليس أصعب لقب لكأس الأمم الأفريقية في تاريخ الكرة المصرية
لحالة الإحباط واليأس التي كانت مسيطرة على الشارع الكروي قبلها كانت البطولة الأصعب .. ولكم الشكوك والعراقيل والانتقادات التي أحاطت ووجهت إلى الجميع كانت البطولة الأهم .. ولكثرة المتاعب والأزمات التي شهدتها كواليس رحلة التتويج كانت البطولة الأغلى .. كتبتها بالقلب لأنى عاصرت تفاصيلها كمشجع ومتابع عن قرب .. واخترت لها هذا العنوان أعلاه لأنه لقب جاء من رحم المعاناة .. لقب أصعب بطولة وكأس للأمم الإفريقية في تاريخ الكرة المصرية .. تابعونا على كورابيديا
طالع أيضا .. سجل مباريات منتخب مصر 1998
مباراة كعنق الزجاجة لمستقبل الكرة المصرية
لم يكن هناك أي مجال في التفريط في تلك الفرصة الذهبية من أجل تعويض السنوات السبع العجاف التي مرت بها الكرة المصرية بشكل عام وتحديدا منذ التأهل لمونديال 1990 بإيطاليا .. فلك أن تتخيل عزيزي القارئ أن منتخب مصر لم يحقق أي إنجاز رسمي يذكر على مدار تلك الحقبة ..
كانت الإخفاقات المتتالية هي عنوان تلك المرحلة سواء على مستوى كأس الأمم الأفريقية أو على مستوى التصفيات المؤهلة لكأس العالم .. فكانت هذه المباراة تمثل عنق الزجاجة التي كان حتما ولابد الخروج منه إلى مستقبل جديد للكرة المصرية ..
حتى لوكان المنافس هو منتخب جنوب إفريقيا والذى ولد عملاقا في زمن قياسي .. وذلك بعد تحقيقه أول لقب قاري في تاريخه بعد ظهوره وعودته على الساحة بعامين فقط بعد حرمان واستبعاد من المشاركة في أي بطولة منذ أواخر الخمسينات بسبب السياسات العنصرية لدولة جنوب أفريقيا .. ومع ظهور خطوات رسمية من أجل تفكيك هذه السياسات في أوائل التسعينات ، أعقبها تولى المناضل نيلسون مانديلا لرئاسة البلاد بعد خروجه من المعتقل بـ (4) سنوات ..
بدأت الدماء تسرى في عروق الجسد الرياضي المنهك في دولة جنوب إفريقيا .. وفى أول تنظيم لبطولة الأمم الإفريقية في عام 1996 وتحت قيادة المدرب الوطني ‘كليف باركر” استطاع البافانا البافانا أو الأولاد وهو اللقب الذى اشتهر به منتخب جنوب إفريقيا من التتويج بالكأس بعد تقديمه مستويات مبهرة في البطولة أعقبه بالتأهل لمونديال 1998 بفرنسا ..
وها هو يواصل الإبهار ببلوغه لنهائي كأس الأمم الإفريقية للمرة الثانية على التوالي بعد تخطيه لمنتخب الكونغو الديمقراطية في نصف النهائي وكان قبلها قد أطاح بالمنتخب المغربي من دور ربع النهائي ..
فضلا عن امتلاكه كتيبة من النجوم المميزين والذى صاروا معروفين بالاسم لكل المتابعين أبرزهم المدافع مارك فيش لاعب بولتون الإنجليزي ولاعب الوسط الموهوب “جون موشوى” الشهير بالحذاء بالحذاء والمحترف بنادي “فناربخشة” التركي والمهاجم العملاق فيل ماسينجا المحترف بنادي بارى الإيطالي وماكينة الأهداف البشرية بيني مكارثى مهاجم أياكس أمستردام وهداف البطولة قبل المباراة النهائية برصيد (7) أهداف بالتساوي مع نجمنا حسام حسن ..
الروح والإصرار رهان الجنرال
مع السيناريو العبقري الذى رسمه من أجل الإجهاز المبكر على منتخب جنوب إفريقيا .. كان رهان الجوهري في تلك الموقعة التاريخية منصبا على روح وإصرار اللاعبين في الملعب من أجل تحقيق حلم وإنجاز ينتظره الملايين .. ومن هذا المنطلق دخلت كتيبة الجنرال إلى ملعب 4 أغسطس بواجادوجو من أجل كتابة تاريخ جديد لكرة القدم المصرية ..
تشكيل منتخب مصر .. مباراة مصر (2-0) جنوب إفريقيا | 28/02/1998
- نادر السيد (حراسة المرمى)
- ياسر رضوان
- مدحت عبد الهادي
- سمير كمونة
- هاني رمزي
- محمد عمارة
- أحمد حسن
- طارق مصطفى
- أسامة نبيه ↔️ ياسر ريان
- حازم إمام
- حسام حسن
في يوم مشمس وفى طقس شديدة الحرارة تجاوزت درجاته الـ37 ..انطلقت صافرة الحكم المغربي سعيد بلقولة .. وانطلق معها وبكل إصرار وعزيمة 11 مقاتل مصري في أرض الملعب من أجل حسم الأمور مبكرا وكبح جماح المنتخب الجنوب إفريقي والذى دخل لاعبوه المباراة بنوع من أنواع الثقة القريبة من الغرور وهو ما كان واضحا في تصريحات رئيس اتحادهم قبل المباراة والذى توقع فيها هزيمة المنتخب المصري بنتيجة كبيرة ..
طالع أيضا : المغربي الراحل سعيد بلقولة أشهر حكم عربي وأفريقي
الفراعنة يلقنون الأولاد الدرس 20 دقيقة ..
سرعان ما ذهبت هذه التصريحات أدراج الرياح بعد 5 دقائق فقط إثر تسديدة لولبية صاروخية من أحمد حسن سكنت شباك الحارس “بريان بالوي” معلنة عن تقدم الفراعنة بهدف في توقيت سحري حمل معه البشارة لكل المصريين والإحباط والمرارة للاعبي منتخب جنوب إفريقيا ، الذين لم يبدوا أي مقاومة تذكر أمام الطوفان المصري الجارف الذى غمر جميع أنحاء ملعب 4 أغسطس الذى شهد سيطرة مصرية بالطول والعرض ..
ولم تمض (8) دقائق على الهدف الأول ومن جملة عبقرية كان متفقا عليها أصبحت بعد ذلك ماركة مسجله باسم الجوهري، سجل طارق مصطفى الهدف الثاني للمنتخب المصري والذى كان بمثابة الضربة القاضية التي أنهت على أي طموحات لمنتخب الأولاد في الحفاظ على لقبهم ، بعد أن اصطدموا بإرادة اللاعبين المصريين الذى أظهروا بسالة وشجاعة يحسدوا عليها بعد التقدم بالهدفين ..
التزم لاعبو منتخب مصر بتعليمات الجوهري الدقيقة واستطاعوا أن يستنفدوا مجهود لاعبي منتخب جنوب إفريقيا بالاستحواذ على الكرة معظم فترات الشوط الأول بالإضافة إلى غلق مفاتيح لعبهم وإيقاف خطورة هدافهم في البطولة بينى مكارثى ، وهو ما أفقدهم الثقة تماما ..
ووضح ذلك في تصريحات مدربهم الوطني جومو سومو بعد المباراة والذى أكد فيها أن أداء منتخب مصر كان مفاجئا وكسر كل توقعاته وشل حركته تماما، وأضاف أن هدفي مصر المبكرين أصاب لاعبيه باليأس عكس اللاعبين المصريين الذين دب فيهم الحماس والثقة ..
وجدير بالذكر وعلى سبيل المعلومة أن “جومو سومو” قد تولى مهمة تدريب منتخب جنوب إفريقيا بصفة مؤقتة قبل البطولة بشهرين فقط لقيادته خلالها ومع انتهائها انتهت مهمته وعاد لقيادة فريقه كوزموس في جنوب إفريقيا وتسلم المهمة من بعده من أجل قيادة المنتخب في مونديال 1998 المدرب الفرنسي “فيليب تروسيه” مدرب بوركينا فاسو في البطولة ..
تتويج مستحق ورد اعتبار امام كل المنتقدين
نعود إلى المباراة والتي ترجم تفاصيلها “جومو سومو” في مجمل تصريحاته عن المباراة ، بعد أن أثبت نجومنا أنهم أصحاب اليد العليا فيها حتى مع انطلاق الشوط الثاني كانوا هم الأفضل والأكثر مرونة في كل المواقف ..
ونجح خط الدفاع بقيادة كمونة ومدحت عبد الهادي والسقا أحد رهانات الجوهري في البطولة في الخروج بالمباراة إلى بر الأمان بغلق جميع الطرق المؤدية إلى مرمى نادر السيد والذى توج بجائزة الحارس الأفضل في البطولة ..
ومع مرور الدقائق واقتراب ساعة الفرحة .. أطلق القدير سعيد بلقولة صافرته معلنا تتويج منتخب مصر بلقبه الرابع تاريخيا والأصعب عمليا بعد معاناة وضغوطات وانتقادات تعرضت لها منظومة المنتخب ككل بداية بالجهاز الفني مرورا باللاعبين وعلى رأسهم حسام حسن هداف البطولة والذى أعطى دروس لكل من هاجمه وكانت هذه البطولة بمثابة رد اعتبار أمام كل من انتقده وطالب الجوهري باستبعاده ..
ولكن رؤية الجنرال كانت هي الأصوب وكان لذكائه الشديد في التعامل مع الأمور سواء خارج الملعب أو داخله دور بارز في حصد لقب غالى سبق وأن توج به كلاعب عام 1957 ، 1959، ليصبح أول من يفوز به كلاعب ومدرب بعد نسخة 1998، يصبح أيضا أحد صناع الفرحة للشعب المصري بقيادته للمنتخب إلى التأهل لكأس العالم في أواخر الثمانينات وها هو يعود لقيادة منتخب مصر للتتويج بلقبه الإفريقي الأصعب في أواخر التسعينات ..
كواليس من رحلة التتويج ..
لم تخلو رحلة المنتخب إلى بوركينا فاسو حتى ميعاد العودة من الكواليس المثيرة والطريفة منها من تم ذكره في السطور السابقة ومنها من تم رصده وسيتم ذكره لك عزيزي القارئ في السطور القادمة جاءت على لسان المدير الإداري للمنتخب الكابتن سمير عدلي ..
من أجل أن يكون بين يديك ملف كامل ومتكامل عن هذه المغامرة المثيرة في أدغال وطن الشرفاء وهى الترجمة الحرفية لاسم بوركينا فاسو ..
السرقة التي لم يبلغ عنها أحد ..
بعد مباراة زامبيا والتي فاز فيها المنتخب بنتيجة (4-0) وخلال التدريب اليومي الذي أعقب المباراة لاحظ الجهاز الفني أن هناك حالة من الاسترخاء لدى بعض اللاعبين نتيجة لزيادة وزنهم بشكل ملفت ومفاجئ .. وهو الأمر الذى أذهل الجوهري خاصة أن جميع اللاعبين يتناولون كميات غذائية مقننة ومن المستحيل زيادة وزنهم مع هذا النظام الصارم ..
وبالفعل تأكدت الشكوك حينما تم وزن اللاعبين، وتقرر خصم 30 دولار عن كل كيلو جرام زائد في وزن كل لاعب .. ولكن هذا لم يكن حلا قاطعا للمشكلة وكان لابد من معرفة السبب .. ومع التمعن في التفكير انحصرت الشكوك كلها في احتفاظ كل لاعب في غرفته ببعض المأكولات الإضافية وهو ما كان غير مسموح به بطبيعة الحال ..
ثم كانت الفكرة العبقرية للجنرال الجوهري .. حين دعا اللاعبين لمحاضرة مفاجئة لشرح خطة اللعب أمام المغرب .. وطلب من جميع أفراد الجهاز الفني الخروج من القاعة التي تقام بها المحاضرة للتأكيد على سرية خطة المباراة ..
وخلال تلك الأثناء كان كل فرد من أعضاء الجهاز الفني الثمانية قد تولى التفتيش الدقيق للشاليهات التي تقيم بها البعثة .. وكانت المفاجأة أنهم اكتشفوا مالم يخطر على بال أحد .. بعد أن وجدوا أفخم أنواع المأكولات المحفوظة والحلويات والمسليات والمعجنات والمخللات بخلاف أرقى أنواع الشكولاتة التي اصطحابها هاني رمزي وحازم إمام معهما من أوروبا ..
وكانت المفاجأة المذهلة عثورهم على فسيخ في غرفة أسامة نبيه .. وعلى الفور تم مصادرة هذه المأكولات ووضعت داخل الشاليه الذى يقيم فيه الكابتن محمود الجوهري وفتحي مبروك ..
ولم ينهى الكابتن محمود الجوهري المحاضرة إلا بعد أن عاد أفراد الجهاز الفني إليه بعد إنجازهم للمهمة على أكمل وجه .. والطريف أن اللاعبين عندما عادوا إلى غرفهم ولم يجدوا المأكولات، لم يجرؤ أحد على الشكوى أو الإبلاغ خوفا من افتضاح أمرهم .. بعد أن ظنوا أنهم قد تعرضوا للسرقة .. ولكنها بالطبع كانت أطرف سرقة لأنها الوحيدة التى لم يبلغ عنها أحد ..
التهديد الغامض الذى ألهب حماس اللاعبين ..
بعد مباراة كوت ديفوار جمع كابتن الجوهري اللاعبين وعنفهم بشدة وهى كانت عادة للجنرال بعد أي مباراة يفوز فيها المنتخب .. وفى هذه المرة تحديدا .. ذكر أن هناك 4 لاعبين بدون إعلان أسمائهم مهددين بالاستبعاد من المباريات مالم يعودوا إلى سابق عهدهم ..
والطريف أن لم يكن هناك أي أحد يعرف من هم هؤلاء اللاعبون المهددون الغامضون .. ولكن اتضح بعد ذلك أن الجوهري لم يكن يقصد أحدا بعينه إنما أراد بذلك أن يوقظ حماس الجميع .. وهو ما ظهر جليا بعد ذلك في مباراتي نصف النهائي والنهائي
كيف كتب الجوهري سيناريو النصر في الغرف وكيف تمت الترجمة في الملعب ..
اجتمع الجوهري ليعلن التشكيل والخطة التي سيلعب بها المباراة النهائية أمام جنوب إفريقيا مساء نفس اليوم .. وقال للاعبين أريد هدفين خلال الـ(32) دقيقة الأولى .. وبعدها أنا الذى سوف ألعب .. وبالفعل هذا ما حدث وبعد الهدفين وعلى لسان سمير عدلي تحكم الكابتن الجوهري في المباراة بشكل كامل من أجل الخروج بها لبر الإيمان ..
كما لوكان مخرجا يحرك مجموعة ممثلين على خشبة المسرح .. فكان مرة يطلب من أحد اللاعبين السقوط على الأرض ومرة يطلب من آخر الحصول على إنذار ومرة يطلب من آخر الحصول على فاول حتى يتمكن من تلقين اللاعبين للتعليمات التي كان لها دور رئيسي في هذا النصر الغالي والثمين .
استقبال تاريخي لأبطال منتخب مصر ..
عن استقبال أبطال المنتخب العائدين بأغلى وأصعب لقب إفريقي فحدث ولا حرج .. فلم يشهد مطار القاهرة والطريق المؤدى له يوما كالذي شهده يوم وصول بعثة المنتخب .. بعد أن احتشدت الآلاف منذ فجر يوم الوصول لاستقبال المنتخب الوطني .. بالإضافة إلى الاستقبال الرسمي والذى شهد حضور الرئيس حسنى مبارك والذى كان على رأس المستقبلين ومعه كوكبة من كبار المسؤولين .. في تأكيد على مدى تقدير الدولة لنجوم المنتخب وجهازه الفني والذين كانوا سببا في إسعاد الملايين من المصريين ..
طالع أيضا علي كورابيديا
سلسلة منتخب مصر بطل كأس الأمم الأفريقية – بوركينا فاسو 98