عرض المقال التوثيقي عن أول منتخب كروي مصري وعربي وافريقي يشارك في بطولة الأولمبياد .. وكيف كانت أسرار وتفاصيل مشاركة مصر في أولمبياد أنتيويرب بلجيكا 1920 ..؟؟

المقال منشور بجريدة الجمهورية بقلم الدكتور أحمد شيرين فوزي .. نجل نجم مصر السابق عبدالرحمن فوزي هداف مصر في مونديال إيطاليا 1934 .. ومؤلف العديد من الموسوعات المصورة عن تاريخ الأندية المصرية ..

وقد خصنا مؤرخنا الكبير د. أحمد شيرين فوزي مشكورا بنشر الموضوع إليكترونيا علي موقع كورابيديا 🤝

كيف كان اختيار مصر للمشاركة في الأولمبياد..؟؟

تم اختيار مصر من ضمن (٢٩) دولة من الذين تم توجيه الدعوة لهم بالمشاركة فى أوليمبياد انفرس (أنتيويرب) عام ١٩٢٠، حيث كانت اللجنة الأوليمبية الدولية برئاسة البارون “بيير دي كوبرتان” قد قررت إعطاء الأولوية في المشاركة في الدورة الأوليمبية للدول الحلفاء..

تسلم دعوة اللجنة الأوليمبية الدولية لمشاركة مصر في هذه الدورة مسيو أنجلوا بولانكي، اليوناني الأصل والمصري المولد، وكان يشغل منصب سكرتير عام اللجنة الأوليمبية المصرية (ومؤسسها عام ١٩١٠)، وممثل مصر في اللجنة الأوليمبية الدولية، ورئيس الاتحاد الرياضي المختلط في مصر (ومؤسسه عام ١٩١٠)، وكان يرغب في تشكيل منتخب مصر الكروي الذي سيشارك في هذه الدورة، لعدم وجود اتحاد مصري لكرة القدم (لانه لم يكن الاتحاد المصري لكرة القدم قد تم تأسيسه بعد، تأسس في ١٣ أكتوبر ١٩٢١)، ولكن الكابتن حسين حجازي أحد أهم نجوم النادي الأهلي وقتها، وأبرز الرواد التاريخيين للكرة المصرية وزملائه كانوا يرغبون في تشكيل هذا الفريق.

كيف تشكل أول منتخب كروي مصري ..؟؟

وبعد عودة بولانكي إلى مصر في أكتوبر ١٩١٩، حصل على موافقة رسمية على المذكرة التي أرسلها إلى مجلس الوزراء بتحمل الحكومة المصرية نفقات البعثة المشاركة في هذه الدورة، وبالفعل تم إحالة مذكرة بولانكي إلى مستر باترسون المستشار المالي للحكومة المصرية، ومعها تفويض بصرف ٥٠ جنيه لكل لاعب يشارك في هذه الدورة، وبدوره أحال باترسون المذكرة إلى مستر سمبسون مراقب عام الرياضة البدنية بوزارة المعارف، وأبلغ سمبسون بولانكي أنه قرر أن يسند مسئولية اختيار الفريق الكروي للمصريين وتحت إشرافه، وذلك لما أدركه من أهمية لعبة كرة القدم للشعب المصري في ذلك الوقت، وحتى لا يحدث صدام جديد مع المصريين بعد أحداث ثورة ١٩١٩ المجيدة، والإنجليز في غنى عن أي صدامات أخرى حينها، وفي نفس الوقت كان هدف الإنجليز قطع الطريق على مصر لأي تفكير بإنشاء اتحاد خاص بهم، وذلك بتلبية طلبهم بتشكيل فريقهم بأنفسهم، وفي نفس الوقت تحت إشراف انجليزي متمثل في مستر سمبسون.

أول لجنة رسمية .. وقائمة أول منتخب كروي مصري ..

دعا مستر سمبسون لاجتماع مع كبار ممثلي الأندية والرعاة في مصر لاختيار فريق مصر الكروي، وحضر هذا الاجتماع حسين حجازي، ممثلا للاعبي الكرة في مصر، واثمر الاجتماع عن تشكيل أول لجنة كرة في تاريخ كرة القدم المصرية وجاءت كالتالي ..

حضرة صاحب السعادة جعفر ولي باشا، وزير الأوقاف، ووكيل النادي الأهلي (رئيساً)، و حضرة السيد محمد صبحي أفندي، ممثل النادي الأهلي (سكرتيراً)، وضمت أيضا اللجنة أعضاء يمثلون أندية المختلط (الزمالك)، والسكة الحديد، والعباسية، والاتحاد السكندري، والقاهرة.

وفي ١٧ مارس ١٩٢٠، اجتمعت اللجنة في النادي الأهلي، وتم اختيار أول منتخب كروي رسمي في تاريخ الكرة المصرية، وأول منتخب كروي تعترف به الحكومة المصرية والإنجليزية واللجنة الأوليمبية المصرية، لتمثيل مصر في أول بطولة رسمية، وجاءت أول قائمة أول منتخب كروي في تاريخ الكرة المصرية كالتالي ..

كامل طه (حارس مرمى)، محمود مرعي (حارس مرمى)، محمد السيد، عبد السلام حمدي، محمد جبر، علي الحسني، رياض شوقي، توفيق عبدالله، حسين حجازي، حسن علي علوبه، السيد أباظة، زكي عثمان، جميل عثمان، عباس صفوت، خليل حسني، محمود مختار صقر، يوسف وهبي.
والجهاز الفني ..

مدير الفريق: المهندس الزراعي محمد وهبي

المدرب: توفيق عبدالله (وكان أيضا لاعباً بالمنتخب)

رئيس الفريق (الكابتن) حسين حجازي

إدارة بعثة مصر في الأولمبياد ..

رئيس البعثة: حضرة صاحب العزة أحمد حسنين بك (أول لاعب مثل مصر أوليمبيا في أوليمبياد ستوكهولم بالسويد عام ١٩١٢)، وكان أيضا لاعب سلاح في هذه الدورة
سكرتير البعثة: حضرة السيد محمد صبحي أفندي

وعلى أن تسافر البعثة في يوم ٢٢ يوليو والعودة ١٣ سبتمبر ١٩٢٠، لأن منافسات لعبة كرة القدم في هذه الدورة من ٢٨ أغسطس إلى ٦ سبتمبر ١٩٢٠، وستتكفل الحكومة المصرية والرعاة، بجميع التكاليف من السفر والإقامة والأكل والمصروفات النثرية.

تعليمات السفر لكل افراد البعثة ..

وقد صدرت التعليمات إلى جميع أفراد الفريق بالآتي .. يغادر فريق كرة القدم محطة قطار القاهرة، في يوم ٢١ يوليو الجاري بقطار الساعة أربعة وربع بعد الظهر، فيجب على كل فرد أن يحضر إلى المحطة الساعة ثلاثة ونصف بعد الظهر، وينتظر باقي زملائه داخل المحطة بجوار حاجز رصيف الإسكندرية ..

وسيتم التجمع الساعة الثامنة والربع مساءا في محطة قطار الإسكندرية، لتلقي التعليمات من محمد صبحي أفندي سكرتير البعثة، الذي سيصل على نفس القطار، وسيقضي جميعهم الليلة التالية، في أحد الفنادق بمدينة الإسكندرية، ويسافرون جميعا على ظهر الباخرة ” حلوان” في صباح اليوم التالي، أما أفراد الفريق الموجودين بالإسكندرية نفسها فينضمون إلى إخوانهم في الفندق ويسافر الجميع معا على ظهر الباخرة المذكورة.

وفي صباح يوم ٢٢ يوليو ١٩٢٠، سافرت البعثة من ميناء الإسكندرية على الباخرة ” حلوان ” متجهة إلى مرسيليا بفرنسا، ثم توجهت بعد ذلك إلى باريس. وفي باريس لعب الفريق المصري في ٣١ يوليو ١٩٢٠، مع فريق مكون من خيرة العناصر الباريسية، وفازت مصر (٠/٣)، ثم سافرت البعثة إلى أنتيويرب ببلجيكا..

أول منتخب كروي مصري والمشاركة بجوار المنتخبات الأوروبية

وقد شارك منتخب مصر في هذه الدورة بجانب (١٥) منتخب أوروبي، ليصبح المجموع (١٦) منتخب يتأهل منهم (٨) منتخبات للدور الثاني.. إلا ان منتخب سويسرا قد انسحب في صباح يوم مباراته مع منتخب فرنسا قبل بداية البطولة ..

وقد أوقعت القرعة منتخب مصر مع منتخب إيطاليا في الدور الأول، وتحددت المباراة في يوم ٢٨ أغسطس ١٩٢٠..
وقبل أن يخوض منتخب مصر أول مواجهاته الرسمية في الدورة بأسبوع، تم الاتفاق على لعب مباراة ودية استعدادية مع مجموعة من اللاعبين البلجيكيين المحليين في أنتيويرب، وفاز منتخب مصر في هذه المباراة (١/٥).

تفاصيل مباراة مصر وإيطاليا ..

كانت المباراة كما ذكر من قبل في ٢٨ أغسطس ١٩٢٠، والتي احتضنتها مدينة جينيت البلجيكية، واستضافتها استاد ” جوليس أوتينستاديون “، الذي كان قد افتتح عام ١٩٢٠، خصيصاً للدورة الأوليمبية، وكان يتسع لقرابة ١٣ ألف متفرج.

طريقة اللعب وتشكيل الفريق ..

كانت طريقة اللعب وقتذاك (٥/٣/٢)، وتشكيل الفريق كالاتي ..

كامل طه (حارس المرمى)، عبد السلام حمدي (ظهير أيسر)، محمد السيد (ظهير ايمن)، جميل عثمان (ساعد دفاع أيسر)، علي الحسني (ساعد دفاع وسط)، رياض شوقي (ساعد دفاع أيسر)، زكي عثمان (جناح أيسر)، السيد أباظة (ساعد هجوم أيسر)، حسين حجازي (قلب هجوم)، حسن علوبه (ساعد هجوم أيمن)، توفيق عبدالله (جناح أيمن).

الأهداف واهم الأحداث ..

في تمام الساعة العاشرة صباحاً بتوقيت وسط أوروبا وبحضور (٢٠٠٠) متفرج، أطلق الحكم البلجيكي “باول بوتس“، صافرة انطلاق المباراة، والتي لم يمر سوى (٢٥) دقيقة من بدايتها، حتى افتتح المنتخب الإيطالي التسجيل عن طريق لاعبه “بالونشيري“، ولكن بعدها بـ(٥) دقائق فقط وتحديداً في الدقيقة (٣٠)، استطاع “حسن علوبة“، أن يسجل أول أهداف مصر، ومدركا التعادل ومفتتحا السجل التهديفي التاريخي للفراعنة، ومرت الدقائق تباعا حتى انتهى الشوط الأول بالتعادل (١/١) ..

ومع بداية الشوط الثاني وفي الدقيقة (٥٧) عاد المنتخب الإيطالي للتقدم واحرز هدفاً، وتستمر المباراة بعدها سجال بين المنتخبين حتى إطلاق صافرة الحكم البلجيكي معلناً نهايتها بفوز المنتخب الإيطالي (١/٢). وخرج منتخب مصر من الدور الأول.

وبذلك تلقى منتخب مصر أول هزيمة في تاريخه، ولكنها كانت هزيمة داخل الملعب فقط، ولكنها حملت في طياتها انتصارا معنويا، كون المباراة قد منحت المصريين حق التعبير عن أنفسهم، بعد أن تحدوا الصعاب واستطاعوا تكوين أول منتخب كروي مصري بسواعد مصرية خالصة ..

أول انتصار كروي لمصر ..

وجدير بالذكر، أن المنتخب المصري بعد مباراة إيطاليا ، خاض مباراة أخرى أمام يوغسلافيا في ٣ سبتمبر ١٩٢٠، في الاستاد الأوليمبي في أنتيويرب، وانتهت بتحقيق منتخب مصر لأول فوز في تاريخه بنتيجة (٢/٤)، واحرز أهداف هذه المباراة، السيد أباظة (هدفين)، حسن علوبه (هدف)، حسين حجازي (هدف).

واختلفت المصادر في تحديد هوية هذه المباراة فالبعض قال أنها كانت مباراة “ودية” أقيمت على سبيل الترضية للمنتخبين، فيما أكدت مصادر أخرى أنها كانت مباراة رسمية أقيمت لتحديد المركز الثامن في مسابقة كرة القدم، وبذلك احتل منتخب مصر المركز الثامن في ترتيب منتخبات كرة القدم في دورة انفرس ببلجيكا من ضمن (15) منتخب، وكان هذا الترتيب في تلك الأيام هو الترتيب الكروي العالمي، حيث لم تكن بطولة كأس العالم قد انطلقت (انطلقت عام ١٩٣٠ بأورجواى)، فأصبح منتخب مصر ثامن العالم كرويا، وهو يعتبر أفضل تصنيف كروي لمنتخب مصر في ذلك الوقت.