الزلزال و المونديال ..!!
قصص الزلازل التي كادت تُلغي كأس العالم

لم تقتصر التحديات التي واجهت “عرس كرة القدم العالمي”، بطولة كأس العالم، على الأزمات السياسية أو الاقتصادية أو حتى الوبائية. ففي عدة مناسبات تاريخية، تدخلت القوة القاهرة للطبيعة، متمثلة في الزلازل المدمرة، مهددة بإلغاء البطولة أو نقلها، ومختبرة بذلك إرادة الشعوب المنظمة. هذه ليست مجرد كوارث طبيعية، بل هي محطات درامية كشفت عن تصميم البشر على إعمار ما دمرته الأرض.
هل نجحت إرادة التنظيم في الصمود أمام اهتزاز الأرض؟ إليكم حكايات مونديالية مثيرة على كواربيديا عن زلازل فالديفيا، ومكسيكو سيتي، وأوساكا.
1. زلزال فالديفيا: صرخة التحدي التشيلي (مونديال 1962)
في عام 1956، أسند الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) تنظيم كأس العالم السابعة لدولة تشيلي. وبينما كان الشيليون يسخرون كل إمكانياتهم لإنجاح البطولة، ضربتهم كارثة غير متوقعة.
الكارثة والإصرار المستحيل
في 22 مايو 1960، أي قبل عامين فقط من موعد المونديال، ضرب زلزال فالديفيا جنوب تشيلي. هذا الزلزال، الذي يعد الأقوى والأكبر في تاريخ الكرة الأرضية حتى الآن، وصل تقييمه إلى 9.5 درجة على مقياس ريختر. حصد الزلزال أرواح الآلاف، وألحق أضراراً مادية هائلة بالمنشآت والمرافق العامة، مما أصاب جهود اللجنة المنظمة بالشلل التام.
سارع الجميع، وعلى رأسهم الفيفا، إلى التفكير في سحب التنظيم من تشيلي ومنحه لدولة أخرى، وكانت الأرجنتين هي الأقرب. كادت تشيلي أن تستسلم للأمر الواقع؛ إذ لم تكن تتحمل نفقات إضافية لإعادة الإعمار.
العبارة التي خلدها التاريخ
في خضم هذا اليأس، وقف رجل واحد فقط رافضاً التنازل عن شرف التنظيم: كارلوس ديتبورن، رئيس الاتحاد التشيلي لكرة القدم ورئيس اللجنة المنظمة. أطلق ديتبورن عبارته الشهيرة التي خلدها التاريخ:
“لأننا لا نملك أي شيء، فسوف نفعل كل ما في وسعنا لإعادة البناء من أجل استضافة المونديال”
نجحت تشيلي، بإمكانيات مالية محدودة وفي وقت قصير قياسي، في إنجاز الاستعدادات لتنظيم البطولة في موعدها. تجسدت قمة الدراما الإنسانية قبل انطلاق المونديال بشهر واحد، عندما توفي الأب الروحي للبطولة كارلوس ديتبورن. وتخليداً لذكراه، أطلقت اللجنة المنظمة اسمه على الإستاد الذي استضاف مباريات المجموعة الأولى في مدينة أريكا الساحلية.

زلزال مكسيكو سيتي: مونديال مارادونا تحت الأنقاض (1986)
بعد اعتذار كولومبيا عن تنظيم كأس العالم 1986 لأسباب اقتصادية واجتماعية، اختار الفيفا بالإجماع المكسيك لاستضافة البطولة في مايو 1983. وبذلك، أصبحت المكسيك أول دولة تنظم النهائيات مرتين خلال أقل من عشرين عاماً.
شكوك الفيفا وأزمة التوقيت
بعد عامين فقط من إسناد التنظيم، وبالتحديد في 19 سبتمبر 1985، ضرب مدينة مكسيكو سيتي زلزال مدمر بقوة 7.5 درجة على مقياس ريختر. أودى الزلزال بحياة ما لا يقل عن خمسة آلاف شخص، وتسبب في أضرار بمليارات الدولارات وانهيار مئات المباني. مما أثار شكوك المسؤولين في الفيفا حول قدرة المكسيك على استضافة البطولة بعد هذه الكارثة الهائلة.
رغم تأكيد اللجنة المنظمة جاهزيتها، اضطرت للاستعانة بشركة أهلية لتنظيم البطولة. هذه الشركة طالبت شركات التلفزيون الأوروبية بإقامة المباريات في ساعات الذروة الأوروبية رغم فارق التوقيت الكبير البالغ ثماني ساعات، وهو ما وافقت عليه المكسيك.
على الرغم من كل المعوقات والتحديات الاقتصادية والطبيعية، أقيمت البطولة في موعدها، لتصبح واحدة من أشهر وأفضل بطولات كأس العالم على الإطلاق. وفيها، تألق النجم الأرجنتيني الأسطوري دييغو أرماندو مارادونا وقاد منتخب “التانغو” للفوز باللقب، ليُطلق على البطولة بحق لقب “مونديال مارادونا”.

زلزال أوساكا: هدية الفوز لضحايا الكارثة (مونديال 2018)
في العصر الحديث، لم يغب الزلزال عن مرافقة الحدث الكروي الأضخم.
التوقيت الصعب: قبل لقائه الافتتاحي أمام المنتخب الكولومبي على ملعب “سارانسك” ضمن منافسات المجموعة الثامنة بنهائيات كأس العالم 2018، استيقظ المنتخب الياباني على أنباء وقوع زلزال بلغت شدته 6.1 درجة بمقياس ريختر في مدينة أوساكا اليابانية. أسفر الزلزال عن مقتل خمسة أشخاص وإصابة العشرات.
أصيب لاعبو المنتخب الياباني بصدمة وقلق كبير على ذويهم وأفراد أسرهم الذين يعيشون حول المنطقة المتضررة. وعلى الفور، بعث الفريق برسالة تعازيه للمتضررين.
في اللقاء، استطاع منتخب اليابان تحقيق فوز معنوي كبير على نظيره الكولومبي بهدفين مقابل هدف واحد. كان هذا الفوز إهداءً مباشراً من اللاعبين لأرواح قتلى زلزال أوساكا، محولين الكارثة إلى حافز لانتصار تاريخي في مستهل مشوارهم بالمونديال.

وفي الختام …
تظل قصص مونديالات تشيلي والمكسيك واليابان دليلاً ساطعاً على أن الإرادة البشرية قادرة على تجاوز أقسى الكوارث الطبيعية. هذه الزلازل لم تكن مجرد أحداث عابرة، بل كانت لحظات مفصلية كشفت عن عمق التزام الدول المستضيفة وقدرتها على تحقيق المستحيل. في كل مرة اهتزت فيها الأرض، كانت كرة القدم هي الراية التي رفعت الروح المعنوية، مؤكدة أن الحياة ستستمر، وأن الإعمار سينتصر، وأن العرض الكروي سيُقام في موعده مهما كانت التحديات.














