كونتي فيردي … الباخرة التى أنقذت المونديال من الغرق
عندما منح الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) اوروجواى شرف تنظيم اول بطولة لكاس العالم بصفتها صاحبة ذهبية كرة القدم بالالعاب الاوليمبية فى دورتى باريس 1924وامستردام 1928و ايضا بمناسبة مرور 100 عام على استقلالها وتحررها من الاستعمار الاسبانى وجهت اوروجواى دعوة مفتوحة للمشاركة فى المونديال بدون اجراء تصفيات تمهيدية ورغم ذلك اعتذرت معظم الدول الاوروبية عن عدم الاشتراك بحجة تكاليف الرحلة ومشاق السفر من اوروبا الى امريكا االلاتينية والتى كانت تستغرق اسبوعين بالباخرة حيث كان كان البحرهو السبيل الوحيد للوصول الى اوروجواى بالنسبة للدول المشاركة فى كاس العالم الاولى حيث لم تكن هناك وقتها خطوط طبران على الاطلاق .
جمال عبدالحميد
حكاية سفينة ” كونتي فيردي ”
هنا ظهرت أكبر وأصعب العقبات التي واجهت إقامة النسخة الاولى لبطولة كاس العالم وهي كيفية انتقال المنتخبات المشاركة فى المنافسات بسهولة ويسر من أوروبا إلى أمريكا الجنوبية، ففي عام 1930 كان الكثيرون يرون ذلك ضرباً من الخيال، بسبب صعوبة الحصول على وسيلة نقل آمنة ، تنقل هذا العدد الكبير من اللاعبين وظهرت في هذا التوقيت الباخرة الإيطالية العملاقة ” كونتي فيردي” اي الكونت الاخضر التي يمكن القول أنها لعبت دوراً رئيسياً وهاماً في انطلاق مونديال الأوروجواي .1930
فبعد ظهور السفينة العملاقة استطاع ” جول ريمية ” رئيس الفيفا و الاتحاد الفرنسي وصاحب فكرة بطولة كاس العالم وبذل اقصى جهد لكى يدفع الدول الاوروبية للمشاركة فى تلك التظاهرة العالمية بيد ان جهود جول ريمية نجحت ووافقت 4دول اوروبية على المشاركة فى البطولة هى بلجيكا ويوغوسلافيا وفرنسا و رومانيا
سفينة ” كونتي فيردي” التى تم بنائها في سنة 1923 فى حوض بناء السفن التابع لشركة ويليام بيردمور في دالموير باسكتلندا والتابعة لشركة الشحن الإيطالية لويد سابودو لاين في جنوي قد بدأت رحلتها الأولى من جنوي إلى بوينس آيرس في 21 أبريل 1923.ثم أبحرت إلى نيويورك في 13 يونيو 1923 أما أشهر رحلاتها على الاطلاق عندما أحضرت منتخبات رومانيا وفرنسا وبلجيكا و البرازيل إلى أوروجواي للمشاركة في كأس العالم الاولى
جول ريمية والكاس علي ظهر ” كونتي فيردي ”
ففى يوم 21 يونيو1930 كان ربان الباخرة الياخرة ” كونتي فيردي” يعلن بدء الرحلة التاريخية الى اوروجواى متمنيا السلام للجميع والنجاح فى مهمتهم الرياضية ففى ذلك اليوم تركت الباخرة كونت فيردى ميناء مدينة جنوة الايطالية متوجهه إلى أمريكا الجنوبية ، وعلى متنها منتخب رومانيا و بعد محطة قصيرة فى مدينة فيلفرانش سورميرالفرنسية الجميلة الساحرة انضم منتخب فرنسا ومعه رئيس الاتحاد الدولى لكرة القدم وصاحب فكرة كاس العالم ” جول ريمية ” الفرنسى الجنسية حاملا معه كاس البطولة فى حقيبتة الخاصة ومعه كريمته ” انيتا ” بالاضافة الى الحكم الفرنسي ” توماس بلفاي” ومجموعة من المسؤولين الفرنسيين .
ثم لحق منتخب بلجيكا بالركب من ميناء مدينة برشلونة الاسبانية ومعه الحكمان البلجيكيان ” جان لانجنوس ” و” هنري كريستوف ” قبل ان تتوقف الباخرة الفاخرة فى التاسع والعشرين من يونيو على شاطئ ريودى جانيرو لتصطحب منتخب البرازيل بالإضافة إلى أخذ شحنة من الموز والبرتقال والأناناس من ريو دي جانيرو ثم توجه الجمع نحوميناء مونتفيديو .
خبر حزين
وكان قد تبقى على انطلاق المنافسات ايام قليلة، ولذلك فإن تدريب الفرق قبل خوض أولى المباريات كان بمثابة مسألة جدية وبما أنه كان من المستحيل التدريب باستخدام الكُرات على سطح السفينة، تم التركيز على اللياقة البدنية. فقد اختار المنتخب الفرنسي استخدام الأثاث على السفينة كعوائق عند الجري، بينا ارتأى الرومانيون الاهتمام بالتمارين الرياضية الفردية ولم تتوقف التدريبات على ظهر الباخرة الا مرة واحدة ذات صباح بسبب اقامة حفل راقص احتفالا بعبورها خط الاستواء وخلال الرحلة العابرة للأطلنطي والتي استمرت 16 يوماً تلقى الحكم الفرنسي توماس بلفاى نباة وفاة زوجتة و هو على سواحل ريودى جانيرو ..
استقبال الباخرة بالرقص والغناء
وفى الخامس من يوليو 1930بلغت الباخرة ” كونتي فيردي” مونتفيديو عاصمة اوروجواى وكان بانتظارها حشد كبير من عشاق الساحرة المستديرة الذين جاءوا لاستقبال الضيوف ليس فقط على رصيف الميناء بل ايضا بقواربهم الصغيرة وصحبوا الباخرة العملاقة وهى تدخل مرساها بالميناء وظل الجميع يرقص ويغنى احتفالا بالقادمين من القارة الاوربية العجوز بعدما تحملوا الكثير من مشقات السفر وكان على راسهم رئيس الفيفا جول ريمية الذى كان يلوح بيدة لمستقبلية وعندما نزل من الباخرة كان يمسك بحقيبته التى كان داخلها كاس البطولة التى عرفت بعد ذلك باسمه والتى ابدع في تصميمها النحات الفرنسي ابيل لافلور .
عائد من الموت
بعد انتهاء اولى بطولات كاس العالم وفى طريق عودة ” كونتي فيردي” بالمنتخبات الاوروبية التى شاركت في المونديال الى بلادها كاد لاعب منتخب رومانيا ” الفريد ايسنبيسر” الذى لعب مباراته الدولية الاولى امام بيرو فى البطولة ان يلقى حتفه بسبب اصابته بالتهاب رئوى حاد نتيجة استحمامه بمياة باردة وعند توقف الباخرة فى ميناء جنوة الايطالى تم ادخاله المستشفى وبعد توقيع الكشف الطبي عليه تحدث الاطباء بان اللاعب الروماني في النزع الأخير من حياته وعلى الفورقام المسئولين باستدعاء قس من اجل الصلاة عليه بسبب تدهور حالته الصحية وتم ترك الفريد ايسنبيسرفي المستشفي بجنوى يواجه مصيره وعندما عاد زملائه اللاعبون نشروا خبر وفاته الذي نزل على أمه كالصاعقة، ولكن في يوم المراسم الجنائزية للاعب تفاجأت والدته أنه يقف أمامها ومازال حيا يرزق فسقطت مغشيا عليها من هول المفاجاة .
المثير في الامر ان ” الفريد ايسنبيسر” بعد تلك الواقعة الغريبة شارك في دورة الألعاب الأولمبية في ألمانيا عام 1936 في سباق التزحلق على الجليد مع شريكته إيرينا تيمتشيك وشارك معها أيضا في بطولة أوروبا عام 1934 وتوفي ايسنبيسر في عام 1991 وهو بعمر 83 عاما في برلين .